نيلوتيك بوست

العشرية الأولى لىسد النهضة: الطريق نحو التنمية مليء بالأشواك

أنور إيراهيم
2021-05-03T18:37:42+03:00
قضايا إفريقية
alt=
أنور إبراهيم أحمد - كاتب إثيوبي

سد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي تقوم إثيوبيا ببنائه علي مجرى النيل الأزرق منذ العام ٢٠١١، علي الرغم من الهدف الموضوع له من قبل إثيوبيا، ألإ أنه صار أحد المشاريع الأكثر خلافا عماليا.

تنشئ إثيوبيا المشروع لأهداف تنموية، وهي توليد الطاقة الكهربائية تغطي  احتياجاتها من الطاقة ، وسيوفر لها المشروع عند الانتهاء منه العملات الصعبة من خلال تصدير الكهرباء لدول الجوار، وذلك بحسب الاستراتيجية الرئيسية الثانية  للدولة من بناء  سد النهضة الإثيوبي الكبير.

وتري كل من مصر والسودان أن المشروع يعتبر أكبر مهدد لأمنها المائي، و أنه  قد يعمل على تقليل كمية المياه التي تصل إليهما، و يعتبر ضد الاتفاقيات التاريخية التي تعول عليها كل  من مصر والسودان  في كسب حصص كبيرة من المياه،  بموجب اتفاقية ١٩٢٩ و ١٩٥٩.

مصر تتمسك باتفاقيات تاريخية تمنحهاعرقلة مشاريع التنمية على النيل، متناسية حقوق شعوب المنطقة

وهي الاتفاقيات التي  تعطي  مصر حق الفيتو في الاعتراض على كل المشاريع التي تقام على نهر النيل، متناسية أن هنالك شعوب أخرى لها الحق في هذا النهر الكبير مثلها مثل بقية دول المصب والممر.

أهمية  موقع سد النهضة الإثيوبي 

 يقع سد النهضة الإثيوبي الكبير على مجرى النيل الأزرق في غرب إثيوبيا، في منطقة تسمى “غوبا” في إقليم بني شنقول – غمز الإثيوبي المتاخم للحدود السودانية، وعلى بعد عشرين كيلو متر من الحدود بين البلدين  ، ويبعد بحوالي٨٦٥  كلم غرب العاصمة الإثيوبية أديس أبابا .

 والمنطقة  التي يقام عليها  السد من أكثر المناطق المسطحة في الهضبة الإثيوبية، و تزداد ارتفاعا كلما اتجهنا إلى الوسط، وساحلية في المنطقة الشرقية والغربية ،لهذا تم اختيار الموقع من قبل الحكومة الإثيوبية لإقامة أضخم مشروع في القارة الأفريقية والعاشر عالميا .  

حسب الخطة الأولية ينتج السد ٥٢٥٠ ميغاوات، وتم تطوير الفكرة لإنتاج  ٦٠٠٠ ميغاواط من ١٦ توربينا، ثم استقر الأمر على ٥٢٥٠ ميغاوات من ١٣ توبينا

وتهدف إثيوبيا من  بناء مشروع سد النهضة  لتوليد الطاقة الكهرومائية، والتي تقدر حسب خطة الحكومة الإثيوبية في أولى مراحله  ب ٥٢٥٠ ميغاواط، وتم تطوير الفكرة لإنتاج  ٦٠٠٠ ميغاواط لتفعيل مشاريع التنمية الاثيوبية، وذلك بعد أن قامت الحكومة بتعديل الخطة الأولية. 

وترى إثيوبيا أنه لمحاربة الفقر في  البلاد لابد من الاستفادة من مصادر الطاقة المتعددة ،وكان هذا التعديل قد أجري  في العام ٢٠١٨، وذلك بزيادة وتطوير الأنتاجية من سد النهضة الي ٦٤٥٠ ميغاواط،

مع مرور الوقت وفي ظل الحراك السياسي التي تشهده البلاد منذ ٢٠١٨، وبعد أن واجه السد العديد من التحديات “مالية وفنية ” خلال آخر أيام حكم الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية (١٩٩١-٢٠١٨)،تم تقليل  مخطط نسبة إنتاج الطاقة في السد.

  و صدر من الحكومة في يناير من العام الحالي ٢٠٢٠ ” حيث أقرت الحكومة أن نسبة توليد الطاقة الكهربائية ستكون حوالي ٥٢٥٠ ميغاواط، وذلك بعد أن قررت أن عدد التوربينات ستكون ١٣ بدلا من  ١٦ توربين .

و السعة الإجمالية لبحيرة  سد النهضة الإثيوبي تقدر بحوالى ٧٤مليار متر مكعب من المياه، لينشئ بحيرة سعتها ١٨٧٤متر مربع خلف السد، وهي من أكبر العوامل التي جعلت كل من مصر والسودان يتخوفون من  سد النهضة الإثيوبي الكبير(٢)

أول مشروع تكامل اقتصادي إقليمي 

 يعتبر المشروع بعد أن تنتهي منه إثيوبيا، أول مشروع تكاملي اقتصادي في المنطقة الشرقية لأفريقيا ، حيث تضع العديد من الدول في المنطقة نصب أعينها الاستفادة منه في مجال توفير الطاقة الكهربائية  ، والتي تعاني من نقص حاد في الطاقة. ، ووقعت إثيوبيا العديد من الاتفاقيات مع دول منطقة شرق إفريقيا لأمدادهم بالطاقة، مثل جيبوتي وكينيا وجنوب السودان والسودان.

وهنالك خطة مستقبلية لدخل أريتريا و إثيوبيا في اتفاق ضمن مشاريع التكامل الاقتصادي التي وقعتها كل من الدولتين بعد اتفاقية السلام الموقعة بينهما في ٢٠١٨.

تخطط العديد من الدول المجاورة لإثيوبيا الاستفادة من سد النهضة للحصول على الطاقة الكهربائية بأسعار منافسة

كما أن هنالك خطة لتغطية الاحتياجات المحلية وتوفير العملات الصعبة التي تصرفها البلاد  في شراء المواد البترولية من الخارج، وتصدير الباقي للدول المجاورة للسودان  وجنوب السودان وجيبوتي وكينيا واليمن .

و اتفق السودان مع إثيوبيا لأستيراد كمية من الطاقة، من خلال برنامج الربط الكهربائي بين الدولتين. وتم زيادة النسب من وقت لأخر بحسب آخر اتفاقيات بينهما.

ووضعت الحكومة الإثيوبية خطة  حتى ٢٠٣٧. لتوليد ما مقداره ٣٦ الف ميغاواط من الطاقة المائية والهوائية و البخار ومصادر اخرى .  

خلافات إثيوبيا حول السد 

على مدار الأعوام العشرة  الماضية، ومنذ وضع حجر الأساس في موقع السد العملاق، عقدت العشرات من جولات التفاوض  في كل من أديس أبابا والقاهرة والخرطوم، والتي كانت بهدف مشاورات فيما يخص الجوانب الفنية والتقنية للمشروع، والتي شهدت تطورات مختلفة، وخلافات بين الدول الثلاث.

وتطور الخلاف ليصل حالة من التصريحات الإعلامية ومرحلة التهديدات، ومنها وصف الموقف الإثيوبي بالمتنعت، وكانت تصريحات الجانب الإثيوبي تتكرر حول  أنها ستواصل عملية البناء في السد مهما طال أمد التفاوض حول الملف، ومواصلة ملي بحيرة سد النهضة لمرحلتها الثانية في وقتها يوليو المقبل.

وفي تلك الأثناء تتوقف المفاوضات فترات وتتواصل مرة أخري، وعلي الرغم من ذلك لم توقف أديس أبابا المشروع للحظة واحدة، وكأنها كانت تعي أن الفترة التي وضعت للمشروع  في المرحلة الأولية خمسة سنوات ستزداد إلى أكثر من ذلك في ظل تطور الخلاف في المشروع والتحديات التي واجهت الحكومة الإثيوبية لإكمال هذا المشروع في الفترة الموضوعة له . 

وتطور الخلاف حول الملف في العام الماضي ٢٠٢٠، لتدخل كبريات الدول مثل الولايات المتحدة، وذلك بعد أن حاول العديد من دول الجوار الأفريقي والدول الصديقة، لعب دور الوساطة في هذا الملف الشائك ولكنها لم توفق.

تدخل الولايات المتحدة في المفاوضات لم يكلل بالنجاح، بل خلق فجوة كبيرة بين الأطراف وأدى لتعثر المفاوضات، واستمرار اثيوبيا في استمكال السد

استضافت واشنطن التفاوض حول الملف  لعدة جولات، ولكن لم يكلل المسعي بالنجاح، بل ساهم في خلق فجوة كبيرة وتعثر المفاوضات بصورة متطورة، وخلق الخلاف في آخر جولة  تقارب بين كل من القاهرة والخرطوم، ضد الموقف الإثيوبي وباتت مطالب القاهرة والخرطوم متقاربة جدا بعد تغيير الحراك السياسي في المنطقة ،واتهمت إثيوبيا في موقفها المتمسك بقضية ملئ بحيرة سد النهضة ب”المتعنت”، وظلت إثيوبيا تواصل علمية البناء في السد رغما عن التكالب والبيانات التي اتهمتها بأنها لم تتعاون “بيان الجامعة العربية والخزانة الأمريكية ،والخارجية المصرية ” مارس ٢٠٢٠.

عملية الملء الأولية ومفاجأة الجميع 

اشتد الخلاف بين الدول الثلاث قبل عملية الملء الأول لبحيرة سد النهضة في العام ٢٠٢٠، والذي تعاملت معه إثيوبيا بصورة مبسطة مستفيدة من كمية الأمطار التي هطلت العام الماضي، وموسم الخريف الذي جاء مبكرا منذ مايو مبكرا عن موعده في يوليو  من كل عام.

وعلي الرغم من أن الدولتين مصر والسودان كانتا تتخوفان من أن التعبئة الأولى ستؤثر على حصتيهما، إلا أن العملية تمت دون أي مشاكل. وقامت إثيوبيا بملئ بحيرة سد النهضة ب ٤,٩ مليار متر مكعب من المياه، وكثرة كمية مياه الأمطار على الرغم من تخزين إثيوبيا للمياه في بحيرة السد، وضربت الفيضانات عدة مدن سودانية في تلك الفترة متاخمة للنيل الأرزق .

رغم تضخيم مصر والسودان للتعبئة الأولى، فإثيوبيا تعاملت معها ببساطة مستفيدة من موسم الأمطار الذي بدء مبكرا

وأنتهت عملية التعبئة الأولى بقبول حتي أن لم تصرح بذلك الدولتان ، و تحولت الخلافات في وقتنا الحالي لمرحلة الملء الثانية ،التي كانت تصريحات كل من مصر والسودان، أن العملية  لا يمكن أن تتم مالم يتم التوصل لأتفاق شامل بين الدول الثلاث . 

ومنذ بداية العام ٢٠٢١، كانت هنالك تحديات متمثلة في عدم مواصلة المفاوضات بصورة جادة ، فظلت معلقة في بعض التصريحات التي تطلق من هنا وهناك ، ووسط الخلافات المتكررة  كانت الإيجايبيات هي أن الدول الثلاث تؤكد من وقت لأخر أنها ستواصل عملية التفاوض ،من أجل التوصل لأتفاق أيجابي.

ومع تأكيد كل من مصر والسودان أنهما ليس ضد رغبة التنمية التي تسعي اليها إثيوبيا لتطوير شعبها، كان هنالك تأكيد إثيوبي  بأنها لأتهدف للأضرار بمصالح مصر والسودان المائية. 

علي الرغم من أن الملف واجه  العديد من التحديات، ولكن إن لم يتم التوصل لأتفاق مرضي مابين كل من القاهرة والخرطوم وأديس ابابا، قد يأخذ الملف منحي آخر في ظل التغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة “تسيس ملف النهضة الأثيوبي “، وهذا الاتفاق إن تحقق  قد يكون بوابة تعاون لدول حوض النيل مستقبلا.

التوصل إلى اتفاق مرضي للأطراف الثلاثة يفتح الأبواب للتعاون الإقليمي بين دول حوض النيل، واستمرار الخلافات قد يؤدي لتسيس مفلق سد النهضة إقليميا

ويري بعض الخبراء الإثيوبيبن أن سد النهضة في حالة الانتهاء منه  ودخوله العمل ستقتنع الدولتين مصر والسودان وتتبدد مخاوفهما من السد الإثيوبي، ويري البعض أن هذه المخاوف من سد النهضة شئ طبيعي باعتباره أكبر سد في المنطقة ينبي علي نهر النيل.