العلاقات المصرية الإثيوبية : بين الفعل ورد الفعل

د. أحمد هيراد9 أبريل 2021آخر تحديث : منذ 3 سنوات
د. أحمد هيراد
مقالات رأي
Ad Space
العلاقات المصرية الإثيوبية : بين الفعل ورد الفعل
د. أحمد هراد - كاتب وباحث في شؤن القرن الإفريقي

على ضوء التاريخ القديم، شهدت العلاقات بين الحبشة ومصر مدا وجزرا، بين مهادنة واتفاقات في نطاق ضيق بغرضها تمرير المصالح العالقة،  وتوجس وترقب، منبعه تلك الصورة السلبية في الذهنية العامة في كل بلد عن البلد الآخر. 

 ومع دخول العالم لعتبات العصر الحديث، كانت تلك الصورة المتوارثة والمتبادلة بين الدولتين هي الخلفية الطبيعية لشكل العلاقات الإثيوبية المصرية رغم تغير المشهد السياسي في كلا البلدين خلال القرون الثلاثة الأخيرة – التاسع عشر وصولا إلى القرن الحادي والعشرين . 

تاريخيا اتسمت المواقف المصرية بالفعل والمبادرة، بينما كانت إثيوبيا متراوحة بين ردة فعل على مواقف وسياسات القاهرة، حينا، وبين التزام الصمت حينا أخرى

إلا أن المراقب لتاريخ العلاقات الحديثة بين البلدين سيجد أن أغلب المواقف المصرية اتسمت بالفعل والمبادرة، بينما كانت المواقف الإثيوبية متراوحة بين ردة فعل على تلك المواقف والسياسات التي انتهجتها القاهرة، وبين التزام الصمت إلى حين. 

ولكن المحور الرئيس الذي دارت حوله تلك المواقف المتبادلة كانت هي المياه التي تتدفق عبر نهر النيل الذي ينبع من هضبة الحبشة و يصب في دلتا مصر، قبل أن يحط رحاله في البحر الأبيض المتوسط.

خطوات حثيثة لتطويق إثيوبيا والوصول لمنبع النيل

بدأت العلاقات بين البلدين باتخاذ منحى جديد، وذلك بعيد استقرار الحكم لمحمد علي باشا، ذلك المحارب العثماني الطموح الذي بنى الدولة المصرية الحديثة على أسس عصرية وتطلعات واضحة المعالم، حددت شكل السياسة مصر خارج حدودها السياسية. وكانت إحدى هذه التطلعات هو اكتشاف منابع نهر النيل، بغرض تأمين مياهه، وتحويل البحر الأحمر إلى بحيرة مصرية.

بدأت هذه الأفكار الطموحة بالتطبيق على أرض الواقع في عام ١٨١٣، حينما تمكنت مصر تحت المظلة العثمانية من بسط نفوذها في كل من سواكن  و مصوع ، وحاولت الدخول إلى ميناء بربرة في ١٨٢١، وحاولت التفاوض مع سلطان لحج على النزول في مدينة عدن في ١٩٢٢.

ديدن التحركات المصرية في القرن الافريقي كانت لتطويق إثيوبيا وفرض الإرادة المصرية على منابع النيل

إلا أن المبادرة المصرية الأهم في تلك المرحلة لتحقيق ذلك الطموح كانت في ١٨٢٠ حينما أطلقت حملتها الأولى لفتح السودان وضمه بقيادة إسماعيل كامل باشا الابن الأصغر لمحمد علي باشا، والتي أصبحت فيما بعد الانطلاقة الحقيقية لبقية الحملات المصرية اللاحقة لتأمين منابع النيل، فقامت مصر باحتلال كسلا ” تاكا ” في ١٨٣٤، و مدينة المتمة في ١٨٣٨، ثم السيطرة الكاملة على مصوع في ١٨٤٦، و كوناما في ١٨٦٩، وكل من هرر و بربره وزيلع في ١٨٧٥، في خطوات حثيثة لتطويق إثيوبيا وفرض الإرادة المصرية على منابع النيل.

خلال ذلك النصف من القرن التاسع عشر، ومع تقدم مصر في القرن الأفريقي والسودان كانت الحبشة في حالة احتراب داخلي، فيما سمي لاحقا بعصر الأمراء، الذي امتد من منتصف القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر . 

ولكن أول مواجهة شبه مباشرة بين الطرفين كانت في ١٨٣٢ حينما نزلت القوات المصرية في مدينة القلابات الحدودية، بغرض السيطرة على هذا الممر التجاري الهام، وهو ما رأته الحبشة آنذاك اختراقا لحدودها باعتبار أن القلابات كانت تحت السيادة الحبشية، فأرسلت جيشا من غوندار – العاصمة الإثيوبية آنذاك – لطرد القوات المصرية، ولكن القوات المصرية آثرت التراجع إلى مواقعها السابقة في الداخل السوداني قبل الاشتباك مع الجيش القادم من غوندار.

الرحالة السويسري فيرنر منزنجرو، نصح الخدوي ” بأن إثيوبيا تحت قيادة عصرية، وجيش عصري وصديق للقوى الغربية، هي خطر محدق على مصر، وعلى مصر السيطرة على إثيوبيا بشكل مباشر أو جعلها في حالة فوضى وفقر! “

البلدان كانا على موعد مع مواجهة مباشرة بعيد استلام الخديوي إسماعيل ولاية مصر، فالخديوي الجديد طرح فكرة السيطرة المباشرة على كل المناطق الجغرافية لحوض النيل، كما أكد له الرحالة السويسري فيرنر منزنجر الذي أرسله الخديوي لإثيوبيا، والذي قال صراحة ” بأن إثيوبيا تحت قيادة عصرية، وجيش عصري وصديق للقوى الغربية هي خطر محدق على مصر، وعلى مصر أن تسيطر على إثيوبيا بشكل مباشر أو جعلها في حالة فوضى وفقر! “

على ضوء هذه السياسة ، قام الخديوي إسماعيل بإرسال حملتين عسكريتين إلى إثيوبيا في نوفمبر ١٨٧٥ ومارس ١٨٧٦ انتهت كلاهما بالهزيمة الساحقة للقوات المصرية في معركة غوندت و غورا على التوالي. 

بعدها توقفت الحملات المصرية بسبب الاحتلال البريطاني لمصر في عام ١٨٨٢، ومع انتهاء القرن التاسع عشر الميلادي، كانت مصر قد خسرت كل مناطقها في القرن الأفريقي كمصوع وهرر وبربره لصالح بريطانيا وإيطاليا، وجرى اقتسام المنطقة من خلال مؤتمر برلين ١٨٨٤-١٨٨٥

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق
ملاحظة: تم تفعيل مشاركة الارباح لهذا الاعلان
يجب عليك تعيين "Adsense: data-ad-client" و "Adsense: data-ad-slot" من لوحة تحكم القالب