يرى خبراء العلاقات الدولية أن العلاقات بين الدول يجب أن تكون تبادلية ومنفعية، إذ أنه ليس هناك علاقات بين دولتين مبنية على المثالية ، بل يجب أن تكون ذات منفعة للجانبين. وبناء علي هذه القاعدة فإن العلاقات بين صوماليلاند وإثيوبيا تعتبر تبادلية، إذ يحصل كل طرف على مصلحة من هذه العلاقة.
خلفية تاريخية
العلاقات بين صوماليلاند وإثيوبيا ممتدة عبر التاريخ منذ المماليك الإسلامية والحبشة، حيث شهدت العلاقة بينهما عملية شد وجذب، وشهدت عمليات حربية ومعاهدات وتبادل تجاري.
في العصر الحديث بدأت هذه العلاقة تتأصل منذ الانتداب البريطاني على أرض الصومال، والمعاهدات التي قام بها البريطانيين مع أباطرة الحبشة بالنيابة عن صوماليلاند.
من أشهر تلك المعاهدات معاهدة الإنجلو-إثيوبيا عام ١٨٩٧ والتي كانت بهدف تخطيط الحدود بين إثيوبيا وصوماليلاند، وجرت بين
الدبلوماسي البريطاني رينيل رود و الإمبراطور الإثيوبي منيليك الثاني.
وتنص بنود هذه الاتفاقية علي حرية التجارية والسفر بين الجانبين بالإضافة إلي مسألة الحدود. وتم ترسيم الحدود علي الأرض لاحقا في ١٩٣٢ .
تعود جذور العلاقات الدبلوماسية بين صوماليلاند وإثيوبيا لفترة الانتداب البريطاني الذي وقع اتفاقيات الحدود والتبادل التجاري مع إثيوبيا
صوماليلاند تتحد مع الصومال خوفا من إثيوبيا
شهدت العلاقات بين الطرفين بعض الفتور، بسبب الأطماع التوسعية للإمبراطور هيلاسيلاسي (١٩٣٠ – ١٩٧٤) ، نحو الأراضي الصومالية، وازدات حدة التوترات بعد قيام البريطانيين بتسليم هيلاسيلاسي منطقة هود التي كانت ضمن محمية الصوماليلاند في ١٩٥٦، مما شجع شعب صوماليلاند نحو الوحدة مع الصومال الإيطالي.
وهو ما حدث بالفعل بعد الاستقلال، حيث تم الاتحاد بين صوماليلاند والصوما الإيطالي في يوليو ١٩٦٠، وذلك بحثا عن توحيد الأراضي الصومالية الخمسة، أو ما عرف لاحقا بالصومال الكبرى.
أثبتت الأيام فشل مشروع الصومال الكبرى، وجرت حرب شعواء بين إثيوبيا والصومال الجديد بعد اتحاد صوماليالند والصومال. وكانت الحرب لاسترداد ما تنازل عنه البريطانيون لصالح الإمبراطور هيلاسيلاسي في ١٩٦٤، وجاءت حرب ١٩٧٧ أيضا لنفس الأسباب.
تاريخيا: المخاوف من التمدد الإثيوبي دفعت صوماليلاند نحو الاتحاد مع الصومال، وفشل الاتحاد بسبب حروب البحث عن الصومال الكبرى دفعت هرجيسا نحو تعزيز علاقاتها مع أديس أبابا
صوماليلاندتلجأ لأديس أبابا لاستعادة استقلالها
ظلت العلاقة بين الصومال وإثيوبيا تتأرجح بين حرب وهدنة وسلام هش، حتى جاءت اللحظة التي أحس بها أبناء صوماليلاند أنهم دخلوا في وحدة خاسرة مع الصومال، وقرروا استعادة استقلالهم الذي أضاعوه في ١٩٦٠.
عندها قام شعب صوماليلاند في المهجر بإنشاء الجبهة الوطنية لتحرير صوماليلاند في ١٩٨٢، وقرروا التحالف مع النظام الشيوعي في إثيوبيا لمحاربة دكتاتور الصومال سياد بري.
ومنذ ذلك الحين شهدت العلاقة بين هرجيسا وأديس أبابا تحسنا كبيرا، وعادت الثقة بين الجانبين، مما سهل للصوماليلانديين اسقاط الطاغية سياد بري، وذلك بفضل التعاون مع النظام الحاكم في إثيوبيا آنذاك.
وشهدت العلاقات بين جمهورية صوماليلاند وإثيوبيا ازدهارا كبيرا بعد إعلان هرجيسا إستعادة استقلالها من الصومال في ١٨ مايو ١٩٩١ ، حيث انهى العداء التاريخي بين القومية الصومالية وإثيوبيا إلى الأبد.
بعد فشل الاتحاد مع الصومال لجأت صوماليلاند لإثيوبيا لاستعادة الاستقلال، مما ساهم في استعادة الثقة بين الشعبين الصومالي والإثيوبي
نجح الجانبان في التوصل لاتفاقيات أمنية وتجارية مهدت لخلق شراكة استراتيجية بين الجانبين. ومن أهم هذه الاتفاقيات معاهدة عام ١٩٩٤ بين رئيس صوماليلاند الراحل محمد إبراهيم عجال ورئيس الوزراء الإثيوبي مليس زيناوي الراحل. للتبادل الدبلوماسي، مع ملحق أمني ينص على تبادل المجرمين.
وانطلاقا من هذه الاتفاقية حصلت إثيوبيا علي منطقة عازلة آمنة جعلتها في مأمن من الإرهاب القادم من الصومال، ومكنت البلدين من الاستفادة من التبادل التجاري، وإن كان الميزان يميل لصالح اثيوبيا.
ويمكن القول أن إثيوبيا رابحة أكثر أمنيا واقتصاديا في العلاقة بين البلدين ، فهي تجني أكثر من ٨٠٠ مليون دولار سنويا
صادراتها الزراعية لصوماليلاند، وتستخدم أيضا ميناء بربرة في تجارتها الخارجية، بينما تستفيد صوماليلاند من الثقل الدبلوماسي
لإثيوبيا في تسويق قضيتها لدى منظمة الاتحاد الإفريقي .
مصالح متبادلة تعزز تطوير علاقات استراتيجية
تمثل صوماليلاند منطقة عازلة لإثيوبيا، وخط دفاع متقدم ضد الإرهاب وتهريب البضائع والبشر، ومنفذا بحريا بديلا ومنافسا لموانئ جيبوتي وكينيا.
وتقوم هرجيسا ودوائر الحكم التقليدية في صوماليلاند بدور فعال في إحلال السلم داخل إثيوبيا، وخاصة في إقليم الصومال الإثيوبي، مثلما ما حدث في ٢٠٠٨، عندما اندلع نزاع مسلح بين قبيلتين ، حيث نجح زعماء القبائل والعلماء في إصلاح ذات البين.
تجاريا، يبلع حجم استيراد صوماليلاند من إثيوبيا حوالي ٢.١ مليار بر من المنتجات الزراعية، وبعض المنتجات الأخرى مثل المنتجات البالستيكية والملابس الجاهزة.
تمثل جمهورية أرض الصومال منطقة عازلة أمنيا لإثيوبيا، كما يلغب التداخل الاجتماعي بين إقليم الصومال الإثيوبي وصوماليلاند دورا كيبرا في تعزيز السلم الأهلي في المنطقة
ومؤخرا، أحدثت العلاقة بين البلدين قفزة نوعية، حيث وافقت صوماليلاند على استثمار إثيوبيا ١٩ ٪ من حصة الشركة المشغلة لميناء بربرة. واحتفظت صوماليلاند ب ٣١ ٪ ، واستحوذت الإمارات على ٥٠ ٪ .
وتأتي الخطوة التي تعتبر الأولى من نوعها في المنطقة، لتشجيع إثيوبيا استخدام ميناء بربرة.
وبعد الانتهاء من بنائه أواسط العام الحالي، وبناء الطريق الذي يربط ميناء بربرة وبلدة أوجالي على الحدود بين البلدين، سيصبح ميناءا بربرا عالميا، ويستطيع إمداد شرق افريقيا بالمؤن و البضائع.
استثمار إثيوبيا في ميناء بربرة يمثل نقلة نوعية للعلاقات بين البلدين، وأديس أبابا تمثل النافذة الديبلوماسية لهرجيسا
من جانبها تستفيد صوماليلاند من الثقل الدبلوماسي لإثيوبيا لدي الاتحاد الإفريقي والدول الإفريقية، حيث يتمتع البلدان بعلاقات دبلوماسية. ويوفر التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين لصوماليلاند فرصة لتعزيز خبراتها في مجالات الأمن والحصول على التدريبات. كما تلبي هرجيسا احتياجاتها من المواد الزراعية و الاستهلاكية الأخرى من إثيوبيا.
ويتعين علي الجانبين، وخاصة النظام الحكم في أديس حاليا، إدراك الفوائد التي يجنيها الجانبان من هذه العلاقة، والتقدم بها لتكون علاقة استيراتيجية نموذجية في المنطقة.