نيلوتيك بوست

جولة المبعوث الأمريكي في الخليج: مساعي حثيثة لإعادة هندسة المنطقة

تعيين مبعوث خاص بالقرن الإفريقي يأتي في إطار إعادة إدارة بايدن قراءة المشهد وتحويل التنافس على ضفتي البحر الأحمر إلى مظلة أمريكية أمنية موحدة لمواجهة التمدد الصيني

alt=
خرائط غوغل : إقليم القرن الإفريقي والشرق الأوسط

تعيين مبعوث خاص بالقرن الإفريقي يأتي في إطار إعادة إدارة بايدن قراءة المشهد وتحويل التناوفس على ضفتي البحر الأحمر إلى مظلة أمريكية أمنية موحدة لمواجهة التمدد الصيني

يقوم المبعوث الأميركي للقرن الإفريقي جيفري فيلتمان، منذ الأول من يونيو، ولمدة ستة أيام بجولة خليجية وإفريقية تشمل المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة و قطر بالإضافة إلى كينيا، بهدف مناقشة السبل التعاون في دعم استقرار وتنمية القرن الأفريقي، بالإضافة إلى إيجاد حلول مرضية لجميع الأطراف في ملف سد النهضة، كما جاء في بيان الخارجية الأمريكية حول الزيارة.

تأتي زيارة فيلتمان إلى عواصم الخليج في إطار توصيات كبار مفكري مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة نهاية أكتوبر ٢٠٢٠، وجاءت تلك التوصيات كردة فعل وتحذير للخارجية الأميركية من السياسات التي انتهجتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والتي كانت مثار جدل في كثير من الأحيان كونها أثارت الكثير من الزوابع في عدة مناطق حول العالم، من بينها منطقتي الخليج والقرن الأفريقي.

مجمل السياسات الخارجية لإدارة دونالد ترامب تميزت بدورها السلبي والفائر فيما يتعلق بتعاظم دور دول الشرق الأوسط الحليفة للولايات المتحدة خارج حدودها الجغرافية وسعيها لدور إقليمي سواء في القرن الأفريقي أو في الشرق الأوسط، وهو ما أدى إلى تصاعد حدة التنافس بين هذه الدول، وأيضا إلى توتر الساحة السياسية في القرن الأفريقي وربما إلى توقفها وشللها في بعض البلدان مثلما حدث في الصومال.

عززت إدارة ترامب تصاعد مناخ التنافس بين دول الخليج على ساحة القرن الإفريقي مما أدي إلى ظهور تحديات أمنية وجيوسياسية على ضفتي البحر الأحمر

غضت إدارة بايدن الطرف عن التنافس العسكري بين دول الشرق الأوسط في الإقليم وسعيها لتدجيج المنطقة بالقواعد العسكرية، لدرجة أنه تم بناء اثنتي عشرة قاعدة عسكرية من رأس بناس في مصر شمالا وصولا إلى مقديشو جنوبا خلال الخمس السنوات الماضية !

من ناحية أخرى، لم تول الإدارة الأميركية اهتماما أمنيا كبيرا في منطقة البحر الأحمر بضفتيه، وهو ما أدى إلى ظهور العديد من التحديات الأمنية ، تراوحت بين تعقد عمليات الهجرة وأشكال العبودية الجديدة العابرة من القرن الأفريقي إلى ضفاف الخليج، وصولا إلى التطور النوعي للهجمات البحرية التي استهدفت المصالح الأميركية في جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب والتي تمثلت في القرصنة البحرية والقوارب المفخخة.

توصيات في اتجاه تخفيف حدة تنافس دول الخليج في الزحف نحو القرن الإفريقي

لذا كانت توصيات مراكز الأبحاث الأميركية تركزت على:

١- إنهاء المنافسة العسكرية بين بلدان الشرق الأوسط في الساحة، خصوصا في الصومال وجيبوتي إرتريا والعمل على تحييد منطقة القرن الأفريقي من التنافس هذه البلدان.

٢- نقل النزاعات بين دول الشرق الأوسط من القرن الأفريقي إلى ساحة أخرى وهي البحر الأبيض المتوسط، لذا فالمتوقع ان تكون ساحة التنافس في الفترة القادمة هي منطقة شرق المتوسط.

٣- جلب الاستثمارات الخليجية إلى القرن الإفريقي لتحقيق التوازن مع الصين، وهو ما حدث بالفعل مع إثيوبيا التي استقبلت حزم مالية كمساعدات من بلدان الخليج تقدر بثلاثة مليارات دولار، بالإضافة إلى افتتاح العديد من الاستثمارات والمشاريع التنموية في عدد من بلدان القرن الأفريقي والتشجيع على إقامة مراكز صناعية في تلك البلدان بالتعاون مع دول الخليج.

٤- دعم استقرار البلدان وإخراجها من حالة المخاض التي تمر نتيجة عمليات الانتقال السياسي التي تشهدها تلك البلدان، وما يستلزم ذلك من إعادة هندسة تلك البلدان داخليا، وذلك من خلال التعامل معها كبلدان هشة، وإعطائها الأولوية في الاهتمام تحت قانون الدول الهشة العالمية، غلوبال فراجيليتي آكت، و دعم عمليات التحول الديموقراطيي، خصوصا مع ميل المزاج العام في البلدان من الحكم الشمولي إلى الحكم الديموقراطي.

٥- تطويق النظام الإرتري واحتوائه بالعقوبات. ويذكر أن العقوبات الأميركية على إرتريا قد بدأت على خلفية الأزمة الصومالية في ٢٠٠٦ ودخول الجيش الإثيوبي للجمهورية الصومالية والدور الذي قام به النظام الإرتري في تمويل المحاكم الإسلامية وحركة الشباب الصومالية لتصفية الوجود الإثيوبي.

٧- دمج الإقليم مع دولتي مصر والسودان لتكوين مظلة أمنية موحدة للبحر الأحمر ليصبح ضمن البحار التي تهيمن عليها الولايات المتحدة بشكل كامل كخطوة ضمن استراتيجية تطويق مشروع الصين العملاق ” طريق الحرير “.

استحداث منصب مبعوث الولايات المتحدة للقرن الأفريقي كانت من ضمن الإجراءات التي دعى إليها المختصون بالشأن الخارجي الأميركي، وذلك لفصل ملفي الشرق الأوسط والقرن الأفريقي عن بعضها، ولإيلاء المزيد من الاهتمام بهذا الاقليم الملتهب.

تعيين مبعوث خاص بالقرن الإفريقي يأتي في إطار إعادة إدارة بايدن قراءة المشهد وتحويل التناوقس في المنطقة إلى مظلة أمنية موحدة في البحر الأحمر لمواجهة التمدد الصيني

ولكن الجدير بالذكر أن اندلاع أزمة تيغراي في الرابع من نوفمبر من العام الفائت أحدثت ارتباكا لدى الإدارة الأميركية خصوصا مع بدايات الأزمة التي تزامنت مع الانتخابات الأمريكية، واختلاط أوراق المنطقة، وظهور بوادر لقيام تحالفات سياسية بين بلدان منظمة الإيغاد.

دفع مما أجبر الإدارة الأميركية على قراءة المشهد من جديد والبناء على نقاط التوصيات السابقة للتحكم بالإيقاع السياسي لذه المنطقة التي تشهد التهابا حادا وتشابكا معقدا في ملفات ملحة كسد النهضة وازمة الحدود الإثيوبية السودانيةـ وتداعيات أزمة تيغراي، بالإضافة إلى انقسام المنقطة بين محور أديس أباب – أسمرا – مقديشو مقابل خط نيروبي- جيبوتي – هرجيسا والرغبة المصرية للعب دور أكبر في القرن الأفريقي لمعادلة الدور الإثيوبي في الإقليم وفي منظمة الإيغاد.

أزمة تيغراي واخلتلاط تحالفات المنطقة، وسعي مصر للعب دور أكبر في البحر الأحمر، أربك حسابات أمريكا، ودفعها لإعادة تقييم المشهد والتحرك نحو التحكم في إيقاع التطورات الجيوسيايسة الإقليمية.

Exit mobile version