نيلوتيك بوست

رئيس مفوضية حقوق الإنسان الإثيوبية: يجلس على صفيح ساخن … ويسير وسط حقل من الألغام

ألقت الحرب في تيغراي بظلالها على الانفتاح السياسي الذي بدء مع وصول آبي أحمد للسلطة، ووضعت رئيس مفوضية حقوق الإنسان الإثيوبية، دانيل بيكيلا في موقف لا يحسد عليه، فهو يتعرض لسهام انتقادات لاذعة من كل اتجاه.

alt=
دانيل بيكيلا، رئيس مفوضية حقوق الإنسان الإثيوبية

أجرت فينانشيال تايمز لقاءا مع المحامي والناشط دانيل بيكيلا، رئيس مفوضية حقوق الإنسان الإثيوبية، الذي يقود التحقيقيات حول انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان في إثيوبيا، في ظل وضع سياسي معقد. وفي يلي ترجمة نيلوتيك بوست للحوار.


منذ اندلاع الصراع الداخلي في إثيوبيا (المواجهة بين الحكومة والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي) منذ نوفمبر الماضي، لم ينم دانيل بيكيلا كثيرًا.  يقول دانيل “عندما يكون زملائي في مهمة، أمضي الكثير من الليالي بلا نوم” ، “نرسل العاملين معنا إلى مواقع غير آمنة بشكل كبير، وقد يحدث أي شيء، أشعر بالخوف الشديد والعبء، وأظل متوتراً بشكل غير عادي، حتى يعودوا”

“إنها قرارات صعبة”، حسب قوله، في ظل انعدام موارد مالية كافية لتوفير السلامة. وكمسؤول معين من قبل الرآسة ، لكنه في نفس الوقت مستقل قانونيًا، ويتقاضى أجره من لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية، فهو معني بالتحقيق في الفظائع ( كالمذابح العرقية، وعمليات الاغتصاب المسلح )، والإبلاغ عنها

وتقول الأمم المتحدة إنها يمكن أن ترقى لمستوى جرائم حرب ارتكبتها “عددة أطراف”، و يمثلون سلطاتهم الخاصة.

مفوضية حقوق الإنسان الإثيوبية هيئة وطنية مستقلة قانونيا، ومعنية بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان

ومن مقر عمله في وسط أديس أبابا، يضيف دانيل بيكيلا “المذهل بشأن الصراع في إثيوبيا ليس مجرد القتل في حد ذاته، وإنما مدى الوحشية عمليات القتل”

بيكيلي ليس غريباً عن انتهاكات حقوق الإنسان.  فقد تم اعتقاله ومضايقته وسجنه، خلال فترة حكم التحالف الذي قادته الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، التي تقود الآن صراعا مسلحا مع الحكومة الفيدرالية، و مع إرتريا المجاورة.  ويقول منتقدون، إن الجبهة خلال حكمها لإثيوبيا، أدارت دولة بوليسية، وعززت السياسات المبنية على الإثنية.

وُلد ونشأ دانيل بيكيلا، البالغ من العمر ٥٣ عاما في أديس أبابا، واصل عمله المهني، ثم حصل على دكتوارة في القانون الدولي لحقوق الإنسان من أكسفورد. ويقول إنه “متأثر” بحالة خوان مينديز، المحامي الأرجنتيني (سجين سياسي)، وكان مقرر الأمم المتحدة الخاص، المعني بالتعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

دانيل بيكيلا: ولد في أديس أبابا ، وحصل على دكتوارة القانون الدولي لحقوق الإنسان من أكسفورد، وتعرض للاعتقال والسجن، ومتأثر بشخصية خوان مينديز، المحامي الحقوقي الأرجنتيني

يقول دانيل: “أنشأت أمريكا اللاتينية تقليدًا قويًا للغاية في إجراءات حقوق الإنسان والنشاطات والمؤسسات والمستشارين الفاعلين”.  “هناك أيضًا بعض الأمثلة الجيدة القريبة” في كينيا وغانا.

ولكن الدولتين، ذات عدد سكان أقل من إثيوبيا، وتوترات عرقية وقومية أقل تعقيدًا. ويضيف دانيل “إثيوبيا بلد ضخم جداً، نتحدث عن أكثر من ١٠٠ مليون شخص، لديهم قضايا سياسية معقدة للغاية ومتجذرة.  وقد حدثت الكثير من الوفيات الطائشة على مر السنين فيها، ومازلنا نعيش في نفس دائرة العنف”.

وبمقارنة امكانيات حقوق الإنسان في إثيوبيا مع غينيا يقول بيكيلا، لديهم ٨٠٠ موظف،  و “مجموعة جيدة من مهنيين منظمين في بيئة ودية ويتعاملون بشكل فعال للغاية” بينما، في إثيوبيا لا يوجد لدى بيكيلا نصف تلك القوة العاملة، وعدد المهنيين منهم أقل من الثلث.  ويقول: “إلى جانب أنه لا يتوفر لدينا المهنيين القانونيين والمحققين، لايتوفر لدينا تحقيقات جنائية، و لا الطب الشرعي”

رغم حجم السكان والتعقيدات السياسية والعرقية لا يوجد لدى مفوضية حقوق الإنسان في إثيوبيا نصف الامكانيات الموجود لدى نظيرتها في غينيا

وبتمويل سنوي صغير ١٠٠ مليون بر (٤.٢مليون دولار) المخصصة من البرلمان، عليه أن يعتمد على المانحين الدوليين. ويتساءل بيكيلا “هل تتصور القيام بعمل حقوق الإنسان في إثيوبيا بأقل من 3 ملايين دولار في السنة؟  إنها مزحة كبيرة.  لكن هذه هي الحقيقة في إثيوبيا”.

المشكلة المالية هي واحدة فقط من بين التحديات، حيث عليه التعامل مع حالة سياسية معقدة.

ويشرف البرلمان الذي يسيطر عليه حزب رئيس الوزراء الحاكم منذ ٢٠١٨ على المفوضية الإثيوبية لحقوق الإنسان.  وباقتراح من آبي أحمد تم تعين بيكيلا، في أغسطس ٢٠١٩، من قبل اللجنة البرلمانية للمؤسسات المتعددة، بهدف إصلاح اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان، وكانت آنذاك مؤسسة ضعيفة للغاية.

بعد شهرين، حصل آبي على جائزة نوبل للسلام لعقده صلحًا رسميًا مع إريتريا.  وكانت تلك بادرة أمل حقيقية. 

 أطلق آبي المئات من السجناء السياسيين، ورفع القيود المفروضة على وسائل الإعلام، وحدد جدولاً زمنياً للانتخابات.

الآن وبعد أن ألقت الحرب بظلالها على الانفتاح السياسي الذي طالما امتُدح آبي لأجله، انتقلت لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية إلى الواجهة، وتصدرت عناوين تحقيقاتها ومقترحاتها التي لا ترضي بشكل عام السلطات الموجودة.

وضع ذلك بيكيلا في موقف صعب. وهو الذي أمضى ما يقرب من عقد من الزمان في التجوال بين أديس أبابا ونيروبي ونيويورك  حيث شغل مناصب عليا في منظمة أكشين آيد، و هيومن رايت واتش، والعفو الدولية.

ألقت الحرب في تيغراي بظلالها على الانفتاح السياسي الذي بدء مع وصول آبي للسلطة، ووضعت دانيل في موقف صعب

يقول بيكيلا: “نحن مستقولن عن الجهاز التنفيذي للحكومة، والمفترض لعملنا الاشراف و التأكد من ملف حقوق الإنسان في الحكومة التنفيذية” ، ويضيف” ونرى مؤشرات مشجعة على العمل، وهذا ما يلهم الناس”.

وأثبت هذا الإلهام جدواه في جذب المهنيين، بغض النظر عن الرواتب المنخفضة ، يقول دانيل  “أؤكد لزملائي والموظفين أننا نسترشد فقط بالمبادئ التوجيهية والمعايير والأفكار القانونية لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم وبنزاهتنا، ولن يكون هناك تدخل سياسي في عملنا” ويضيف “أحاول صياغة رسالة إبداعية وذات بصيرة لنا كمؤسسة، وقد جذبت زملاء جدد للمشاركة فيها، وهم يهتمون بأمتهم ولايجدون عن ذلك بديل”

ويضيف : أثناء إصلاح لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية، ستأتي فرص أفضل بما في ذالك تحسين الأجور، وحتى ذلك الحين، سنعمل بالمتاح”.  ويضيف الأمر الذي يجعل الموظفين ملتزمين هو “المشاركة بنفسي في الكثير من المهام والتحقيقات ، إلى جانب تقديم الدعم والتوجيه حول كيفية أداء المهام”

في ظل غياب الرواتب المجزية، يلجأ دانيل إلى تحفيز زملائه بالمشاركة شخصيا في المهام والتحقيقات الصعبة، وبتذكيرهم برسالتهم الإنسانية

في بلد انتشرت فيه الفظائع على نطاق واسع، ووسط دليل على جرائم حرب محتملة ارتكبتها جميع الأطراف، بما في ذلك قوات الدفاع الوطني الإثيوبية، والجيش الإرتري و الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وأنصارها، بالإضافة إلى مقاتلين من إقليم أمهرة، حذرت ميشيل باتشيليت، مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، من “الإنكار التام وتوجيه أصابع الاتهام”

مع ظهور العديد من الحالات وبعدد قليل من الموظفين، يقول دانيل “من الصعب جدًا تحديد الأولويات، تواجه تحديات يومية بشأنها ما يمكن التحقيق فيه في ظل الموارد المحدودة”

ولتعزيز عمل اللجنة، تواصل بيكيلا مع الأمم المتحدة، التي وافقت على إجراء تحقيقات مشتركة في تيغراي. ومع ذلك لم يكن من السهل إقناع السلطات الإثيوبية.

مع قلة الموارد وازدياد الانتهاكات يصعب تحديد الأولويات، مما ألزم طلب دعم أممي، رغم معارضة السلطات

وبمرور الوقت، اكتسب دانيل العديد من النقاد، بما في ذلك، كما يقول المطلعون الرئيس الرواندي بول كاغامي. الآن ، ووسط الاستقطاب الحالي ، يزعم بعض النقاد من التيغراي أن بيكيلا يريد “تبييض جرائم أبي أحمد وأمهرة” ؛ وآخرون من إرتريا يزعمون أنه يحمل “فأسًا سياسيًا للطحن” ضد بلدهم ، ويتهمه آخرون بأنه “حصان طروادة للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”.

يشعر المقربون من الحكومة أن بيكيلا “يتعرض لضغوط هائلة” لإرضاء القوى الغربية، ويرى المشككون في الدوائر الدبلوماسية الغربية أنه “جزء من النظام” في إثيوبيا. على الرغم من كل ذلك ، فإنه يحتفظ بهدوئه.

ويقول دانيل “هناك حالات قد يرفض فيها بعض مسؤولي الحكومةالنتائج التي توصلنا إليها، وعادة ما يتهموننا بدوافع خفية وأجندات وما إلى ذلك.  إنها ليست مهمة سهلة بالنسبة لنا. 

نواجه قدر كبيرًا من الحكومة الفيدرالية كما نواجه الأمر ذاته من الآخرين “.  

يتعرض دانيل لانتقادات كثيرة من كل اتجاه، والحل الوحيد لديه هو مواصلة العمل بصمت

ويقول: “في ظل سياسة الاستقطاب في إثيوبيا، هناك أفراد يساعدوننا من السلطات، من وسائل الإعلام، ومن المعارضة، ومن النشطاء، لكن هناك من يعارضوننا من كل أولئك”  وقدرنا ببساطة “متابعة عملنا”

Exit mobile version