تحتفل جمهورية صوماليلاند هذه الأيام بعيدها الوطني الثلاثين، حيث شهدت العاصمة هرجيسا احتفالات أقيمت في القصر الرئاسي احتفالات في ٢٨ مايو، حضرته وفود من جيبوتي وإثيوبيا، بالإضافة لسفراء كل من إثيوبيا والإمارات العربية وتايوان.
وركز الرئيس موسي بيحي خلال كلمته التشريفية علي اعتماد البلاد التفاهم الاجتماعي الشامل لبناء الدولة، وناشد المجتمع الدولي الاعتراف بجمهورية صوماليلاند، وأشار إلى أن انجازات البلاد خلال ثلاثون عاما مضت تفوق بكثير ماتم انجزه خلال أعوام الوحدة مع الصومال.
بين الاستقلال والوحدة والانفصال
وتقع أرض الصومال في القرن الأفريقي محاذية لإثيوبيا وجيبوتي والصومال، و نالت استقلالها من بريطانيا في ٢٦ يونيو ١٩٦٠ ، وذلك قبل استقلال الصومال الإيطالي بخمسة أيام، واختار الشعب الوحدة الطوعية مع الصومال الإيطالي في الأول من يوليو ١٩٦٠ أي بعد الاستقلال بخمسة ايام فقط، وذلك بحثا عن ما سمى آنذاك بالصومال الكبير أو الأقاليم الصومالية الخمسة.
شعر أهل صوماليلاند بالتهميش بعد الوحدة ، إذ استأثر الجنوبيون بالمناصب جميعا، مما حدا بضباط من أرض الصومال القيام بمحاولة انقلاب فاشلة في ديسمبر ،١٩٦١ ، بعد الوحدة بسنة ونصف فقط.
ازدادت الأمور سوءا بعد قيام ثورة أكتوبر في ١٩٦٩ التي قام بها الجيش الصومالي، أصبح على إثرها الدكتاتور سياد بري رئيسا للصومال، فازداد تهميش صوماليلاند، وعانت المناطق الشمالية مما يسمى الجمهورية الصومالية آنذاك من التأخر وغياب الخدمات، مما حدا ببعض المغتربين إنشاء جبهة مسلحة لتحرير صوماليلاند في لندن عام ١٩٨٢، وذلك بعد قيام النظام العسكري بوءد كل محاولات التغيير السلمي.
ومما ساعد هذه الجبهة في سعيها لتحرير صوماليلاند هو العداء بين النظامين الشيوعيين في الصومال وإثيوبيا نهاية القرن الماضي ، حيث تلقت جبهة التحرير الوطنية دعما كبيرا من نظام منغستو هيلا مريام الذي أعطاها السلاح والقواعد العسكرية والسياسية في إثيوبيا.
ونجحت الجبهة في تحرير كامل تراب صوماليلاند من هيمنة القوات المسلحة الصومالية في ١٩٩١
نجاج تجربة أرض الصومال رغم غياب الاعتراف الدولي
قامت جبهة التحرير الوطنية بقيادة رئيسها عبدالرحمن أحمد علي بالدعوة لعقد مؤتمر تشاوري مع القبائل في صوماليلاند في مدينة برعو والذي تم عقده في مايو ١٩٩١ ، و من قراراته استعادة الاستقلال وفك الارتباط مع الصومال الإيطالي، و تولى الجبهة الحكم لمدة عامين بشكل انتقالي ومن ثم تسلم السلطة لحكومة مدنية.
وهو ما حدث بالفعل إذ قامت الجبهة بتسليم السلطة للرئيس محمد إبراهيم عقال بعد انتخابات أجريت في مدينة بورما في شهر مارس ١٩٩٣ ، لتصبح جبهة التحرير الوطنية اول جبهة مسلحة تقوم بتسليم الحكم بعد تحقيق استعادة الاستقلال.
،والجدير بالذكر أن الجبهة قامت بإجراء خمسة انتخابات داخلية منذ نشأتها وتناوب علي رآستها خمس رؤساء قبل أن تتولى الحكم وذلك في إجراء نادر الحدوث داخل الجبهات المسلحة التي تخوض حروب تحرير ضد الأنظمة الحاكمة.
وأصبح تاريخ الإعلان عن إعادة الاستقلال في ١٨ مايو عيدا وطنيا تقام فيه الاحتفالات، سنويا، في جميع ربوع صوماليلاند ابتهاجا بهذه المناسبة.
عوامل ذاتية لبناء الدولة
ويرى المراقبون أن نجاح صوماليلاند تحقيق استقرار سياسي وإقامة نظام حكم ديموقراطي وسط منطقة مشتعلة ومليئة بالدكتاتوريات، تجربة تستحق الدراسة.
وقد وصف مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية تابور ناغي صوماليلاند بالدولة الناجحة وسط منطقة مشتعلة بسبب نجاحها في نزع السلاح وإنشاء نظام حكم يتوافق عليه الجميع وإجراء الانتخابات .
لدى صوماليلاند ثقافة الشورى وتداول الحكم ، فهم كانوا يعيشون ضمن مماليك وسلطنات تقليدية تقدس الشورى وتداول السلطة ، وكذلك شهدت صوماليلاند الديمقراطية والتعددية الحزبية أواخر الانتداب البريطاني ، حيث تنافس أكثر من خمس أحزاب في الانتخابات التشريعية التي سبقت الاستقلال ، ومارست جبهة تحرير الوطنية الديموقراطية وتداول السلطة حتى وهم في الأحراش، حيث تناوب على رئاسة الجبهة خمسة رؤساء قبل استيلائها على الحكم ، وهو أمر نادر الحدوث في العالم الثالث، وقامت الجبهة أيضا بتسليم السلطة لحكومة مدنية بعد حكمها بعامين فقط وهو أمر آخر نادر الحدوث أيضا.
لأسلوب الذي اتبعته صوماليلاند كان مغايرا للأسلوب الذي اتبعته الصومال ، حيث قام العقلاء والسياسيين الصوماليلانديين بإتباع البناء من الأسفل بدلا من البناء من الأعلى ، حيث قاموا بالإصلاح بين القبائل اولا وإرجاع الحقوق ودفع الديات في إطار الشريعة الإسلامية والثقافة الصومالية ، بينما اتبع سياسي الصومال أسلوب البناء من الأعلى، حيث كانوا يقومون ببناء برلمان وحكومة وانتخاب رئيس في كل مؤتمر مصالحة من غير أن يتم الإصلاح بين القبائل وإرجاع الحقوق ودفع الديات، وهو الأمر الذي أدى لفقد الثقة بين القبائل في الجنوب.
الخلفية التاريخية والممارسة السياسية خلال فترة الانتداب، وبناء التوافق الوطني والسلم المجتمعي من القاعدة إلى أعلى الهرم ساعد البلاد تحقيق الاستقرار رغم غياب الاعتراف الدولي
اعتمدت صوماليلاند على المبادرات المحلية والموارد المالية الذاتية ، حيث كان يتم تمويل مؤتمرات المصالحة من موازنة الحكومة وتبرعات رجال الأعمال، وكان يتم إدارة مؤتمرات المصالحة في صوماليلاند وفق أجندة محلية ، ولم يكن المجتمع الدولي يتدخل أو يسمح له بالتدخل لعدم اعترافهم بصوماليلاند وعدم تمويلهم لهذه المؤتمرات ، مما جعل تأثير المجتمع الدولي محدودا أو غائبا.
وجود مجلس شيوخ قوي، حيث يتكون برلمان صوماليلاند من غرفتين، غرفة سفلى (مجلس النواب) مهمتها إقرار التشريعات ومراقبة أداء الحكومة، وغرفة عليا (شيوخ) مهمته الحفاظ على الأمن والسلم الأهلي، والإصلاح بين القبائل، مما دفع الأمم المتحدة بتوصية الصومال باستنساخ تجربة صوماليلاند.
ويقوم مجلس الشيوخ في صوماليلاند بالتقريب بين السياسيين وإنهاء الأزمات السياسية في صوماليلاند ، وقام هذا المجلس أيضا بإخماد الحروب القبلية والإصلاح بين العشائر.
غياب المال السياسي الخارجي بسبب عدم الاعتراف ساعد صوماليلاند على بناء مؤسسات اجتماعية وسياسية تحرص على مصلحة الشعب.
انجازات ثلاث عقود من الاستقلال
يعتبر تحقيق الأمن والسلام الأهلي العام من أهم الإنجازات التي تفتخر بها البلاد، حيث تشهد صوماليلاند هدوءا وسلاما وسط منطقة مشتعلة في شرق أفريقيا.
و أجرت البلاد ثلاثة انتخابات رئاسية وتداول الرئاسة خمسة رؤساء جاء ثلاثة منهم عبر انتخابات شعبية مباشرة، وتم تسليم السلطة بشكل سلس بدون أي مشاكل في كل هذه الانتخابات، كما أجرت البلاد استفتاءا على الدستور وانتخابات بلدية وتشريعية.
وشهد صوماليلاند نموا اقتصاديا وانتعاشا تجاريا في الفترة الحالية جراء الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة باستثمار أكثر من مليار دولار في مشاريع بنية تحتية في ميناء بربرة وتطويره، والممر الحيوي الذي يربط الميناء بإثيوبيا.
وهناك استثمارات محلية في قطاع الاتصالات والبنوك ، حيث يمتلك رجال أعمال من صوماليلاند أفضل شركات الاتصالات والبنوك والحولات في شرق أفريقيا.
تمكنت أرض الصومال خلال العقود الماضية من تحقيق السلم الأهلي ، وبناء مؤسسات ديمقراطية ، والاستفادة من الموقع الجعرافي للبلاد اقتصاديا