نيلوتيك بوست

لماذا يتحسس “إسلاميوا” إثيوبيا من مصطلح ” التيار الحركي”

كلمة موجهة من الباحث والكاتب نورالدين عبدا إلى النخب الإسلامية الإثيوبية التي تتحسس من استخدام مصطلح " التيارات الحركية" في توصيفات الحالة الإسلامية في إثيوبيا

نورالدين عبدا
2023-10-24T19:28:52+03:00
مقالات رأي
alt=

انطلقت ضدنا حملات تشويه شعواء من قبل شيوخ ونشطاء ودرسة التيارات الإسلامية في إثيوبيا على اختلاف مشاربها.

وجاءت هذه الحملة على خلفية عدد من المقالات، نشرتها على منصة نيلوتيك بوست، حول الأحداث الأخيرة المتعلقة بهدم “مساجد غير مرخصة” في مدينة ” شغر” المحيطة بالعاصمة أديس أبابا.

وقد استخدمت في تلك المقالات كما في دراسات أخرى نشرت لنا في مراكز أخرى مصطلح ” التيارات الحركية ” في وصف الحالة الإسلامية النشطة على الساحة الإسلامية في إثيوبيا.

فمنهم من وصمنا بالقومجي، ومنهم من نعتنا بالعلمانية الناكرة للدين، ومنهم من قال هذا مًًًٌرسل، ومنهم من ادعى انني ازدهاري ( الحزب الحاكم) بينما هو ذاته يتقلب بين أنعم حزب “الازدهار” ويتباهون بسلطانه.

ولا ضير في تلك الحملات، فكل من سبح ضد التيار وصموه بالعار.

وجاء استخدام مصطلح “التيار الحركي” محاولة مني لمقاربة واقع الحالة الإسلامية في إثيوبيا، وذلك بدل ذكر كل طائفة أو فكر على حدا.

وذلك لأن الحالة الاسلامية عندنا متداخلة كما يتم التوضيح أدناه، واطلاق مصطلح واحد بعينه لا يقارب الواقع، وفيه تحميل طرف معين ما لا يتحمله في الواقع.

لماذا ” التيار الحركي”

لكن وللأسف فإن نشطاء و زعماء وطلاب التيارات الحركية أظهروا تحسسا مفرطا من المصطلح، واعتبروه استهدافا. وفي اعتقادي فإن هذه الحساسية ناشئة من حساسية تلك التيارات من أي نقد أو مساءلة توجه اليها، بينما تعتبر نفسها صاحبة الحق والقدرة لقيادة والتحدث باسم ٥٠ مليون أو يزيد من مسلمي إثيوبيا.

إننا نرى أن مصطلح “التيار الحركي” هو أقل المصطلحات تصنيفا، وأقلها كلفة على المجتمع المسلم، حيث لا يحدد تيارا بعينه، بل يضع الجميع في بوتقة ” الفعل ، ورد الفعل “

لماذا؟ لأنه مصطلح يصف الفعل، ولايتدخل في التصنيفات العقدية و الفكرية المنتشرة على الساحة الاسلامية في اثيوبيا بامتداداتها العربية والإسلامية.

وفيما ظهر لنا، فهذا المصطلح هو الحل الأمثل، ويلجأ إليه كثير من الكتاب والمفكرين وأهل الرأي الموضوعيون الذين يرغبون في وصف الحالة الاسلامية دون الانحياز لطرف أو لآخر.

وقد تحاشينا استخدام مصطلح الإسلام السياسي لأنه أصبح رديفا لمسمى ” الإخوان المسلمين” ويستخدم من قبل أعدائهم، رغم أن المصطلح في حد ذاته يصف واقع ممارسة تلك التيارات للسياسة باسم الإسلام والمسلمين.

فالمصطلحات الموجودة في الساحة هي: إما عقدية كالسلفية ، والوهابية ، والصوفية. أو فكرية حركية : كالإخوان ، والتبليغ ، والأحباش، والمداخلة والتكفيريين، والسلفية التنظيمية بتفرعاتها الفكرية. وكلها تعبر عن توجهات عقدية وفكرية معينة.

أو تسميات تنظيمية ” ليسمع صوتنا” و” الشباب” و ” الاتحاد الاسلامي سابقا”، أو أسماء لمؤسسات وجمعيات خيرية، ولا داعي لذكر احداها كمثال حتى لا يقولن أصحابها ” نحن المستهدفون “

أو أحزاب سياسية كحزب الحرية والعدالة، اليتيم في الساحة.

واذا استخدمنا هذه الاوصاف والمصطلحات كما هي، فالحساسية ستكون أكبر والغضب أشد، وتزيد من حدة الانقسام الواقع أصلا. كما أن استخدام إحدى هذه المسميات والمصطلحات لا يعبر عن الواقع المتداخل.

فالواقع كما هو أمامنا فيه تداخل وتلاقح لا متناهي بين هذه التيارات، وتحالف بينها على الساحة الاسلامية.

فالتيار الصوفي و التبليغي متداخلان فكريا، ومتحالفان في مواقفهما السياسية أحيانا، وكذلك التيار السلفي بتفرعاته التي تسيطر على الساحة الاسلامية متداخل فكريا ومتحالف سياسيا مع التيار الاخواني المنتشر بين النخب الأكاديمية، ويحتمي أحدهما تحت عباءة الآخر، ويتبادلان الأدوار.

ولا يستطيع أحد انكار وجود هذه التيارات في بلدنا فكرا وتنظيما.

ولا يعني الإقرار بوجود هذه التيارات في الساحة الإثيوبية ضرورة التسليم بانتماء كل فرد يتحرك باسم الاسلام الى إحدى هذه التيارات تنظيما، لكنه بالضرورة هو جزء من إحداها فكرا وتوجها وامتداد لها، ومتأثر بها بطريقة أو أخرى.

دعوة النخب الإسلامية إلى تعريف نفسها

ومن هنا أدعوا الجميع الخروج من ضيق السلبية إلى رحابة الفكرة ومناقشة الأمر دون إقحام الذات والجماعة في مصطلحات ذات معنى توصيفي أكثر منه تسمية.

فخلال المقالات التي نشرناها مؤخرا استخدمنا هذا المصطلح، فتداعى علينا الجميع، كما تتداعى الأكلة على قصعتها.

فماذا نسميهم تسمية تقارب الواقع قدر الامكان؟

فإذا قلنا السلفية، سلطوا علينا درستهم، وإذا قلنا الوهابية أشهروا علينا سيوف التوحيد والشرك، واذا قلنا الاخوان قالوا انت تجهزنا لمصقلة الأعداء، واذا قلنا صوفية قالو نحن السلفيون الحقيقيون.

ومن طريف الأمر أن الجميع يعتقد أنه هو المعني بالأمر دون غيره، فتداعى علينا الصوفي قبل التبليغي والسلفي قبل الاخواني والحركي الازدهاري قبل حركيي الفانو و شني.

أقول هذا لأن الواقع أيضا ينبؤنا أن أهل التيارات الفكرية مختلفون في انتماءاتهم السياسية ولو على مستوى التعاطف. فقد يكون حركيا اسلاميا ويتعاطف سياسيا مع احدى الأفكار والأطروحات على الساحة السياسية.

لذا فإننا نوجه دعوتنا لأهل العلم من الشيوخ والدكاترة والأساتذة والنشطاء وأصحاب الرأي والإعلام في الساحة الإسلامية الإثيوبية دراسة الواقع الإسلامي، دراسة علمية من كل جوانبها واقتراح توصيفات تقارب الواقع ويمكن استخدامها في الكتابات والبحوث.

كلنا مسلمون …

واتمنى ان لا يكون الرد، وبطبيعة الحال ” نحن مسلمون”. فذاك لا يقبله شرع ولا منطق.

فكلنا مسلمون. فحتى جدتي التي لا تعرف من الإسلام الا الشهادة هي “مسلمة” .

وإذا دققنا في المسألة أكثر فإن أتباع الديانات الإبراهيمية كلهم مسلمون وبنص القرآن.

بل ربما ذهب البعض أكثر عمقا وقال “الموحدون” كلهم مسلمون، مما يدخل أهلنا في بورنا ” واقيفتا ” وتعني ” السماوي” والإيزيديين في العراق وغيرهم من ملايين الموحدين تحت سقف الاسلام الفطري، وبالتالي يدخلون حتما تحت رحمة الواحد الأحد.

لذالك فإن عموم مصطلح المسلمين لا يمكن استخدامه في توصيف الحالة الاسلامية الحركية الخاصة.

والمفكر أو الكاتب والباحث يحاول الاقتراب من الواقع قدر الامكان، ويسعى لتقريب ما يفكر فيه للقارئ عبر استخدام كلمات وعبارات ومصطلحات تصف الواقع كما يراه أو عبر استخدام مصطلح واسم رسمي يستخدمه اهل تنظيم او تيار محدد.

فلوكان أهل التيار الحركي فقط “مسلمون” من عامة الناس لجلسوا في بيتهم مثل جدتي، أو تفرغوا لمهنتهم أو تجارتهم أو متعهم مثل ملايين البشر.

فيا قومنا لا تتهربوا عن الواقع بتضليل كل من يفتح صندوق الطماطم، بل واجهوا الحقيقة وأعطونا مصطلحا ترونه مناسبا. أو أعطونا مسمياتكم التي ترضون بها لنستخدمها.

وحتى ذلك الحين أوقفوا حملات التشويه والشيطنة والتهديدات المبطنة… لأن ذلك لا يمثل قيم الاسلام التي تدعون إليها من على منابر الجمع والجماعات.