تتمتع مصر بموقع فريد يجعلها حلقة وصل بين آسيا وأفريقيا، وممر حيوي يعبر عن الذكاء الجغرافي الذي يتحول لعبء وثقل إذا لم يتم التعامل معه بذكاء إداري ومعرفي، وتعامل سياسي يكون بحجم التحديات
يجيد النظام المصري صناعة الأزمات وتكثير الأعداء، وتجيد النخب المحسوبة عليه السباحة في تياره الذي يتسبب في خسارة مصر استراتيجيا، ويفقد مصر عمقها الطبيعي وثقلها الإقليمي.
هذه الخلاصة التي يخرج بها القارئ في مواقف مصر وإدارتها للعلاقة مع دول وشعوب الجوار والإقليم، وخاصة مع الدول ذات الثقل.
السودان… الحديقة الخلفية
العلاقات المصرية السودانية الرسمية هل هي مثالية أو في المستوى الذي يرضى عنه البلدان؟ أم كان بالإمكان أن تكون في وضع أفضل لمصلحة البلدين؟
حاولت النخب السودانية والسياسيون السودانيون الاستجابة لنداء الأخوة والجوار مع مصر، لدرجة أنهم أعطو جزءا عزيزا من أرض السودان لإقامة السد العالي الذي أقيم في الحدود المصرية الجنوبية، الأمر الذي جعل بحيرة السد تقام على أرض سودانية، مقابل وعود لم ينفذ منها أي شيء تقريبا. وشارك السودانيون مع الجيش المصري في حروبهم مع إسرائيل، ومنحوا قواعدهم لتكون منطلق وملجأ للطيران الحربي المصري أثناء تلك الحروب. ولكن رد الجميل المصري كان بدعم حرب جنوب السودان حتى انفصاله، ودعم الحركات المسلحة الأخرى، والدور المصري المستغل لوضع السودان السياسي والحصار المفروض عليه لا ينساه السودانيون. كما أنهم لا ينسون استغلال مصر لهذا الحصار في احتكار أو شبه احتكار لتصدير المنتجات المصرية على أنها منتجات مصرية، وأعمالها في إنهاك وإضعاف الاقتصاد السوداني ومنعه من أن يتعافى.
ليبيا… الحديقة الأمامية
تعتبر مصر ليبيا كما السودان حديقتها الخلفية، ولذا تمارس عليه ما يمكن اعتباره وصاية، وهذا ما جعل هذه العلاقات متوترة على امتداد التاريخ المعاصر، ومع أن القذافي يكاد يكون مختلفا مع الجميع، إلا أن العلاقات بين البلدين طابعها التوتر وعدم الانسجام، ونرى في الفترة الأخيرة دور مصر المهيمن والوصي على بعض الأطراف في الأزمة الليبية، الأمر الذي حال دون توصل أطراف النزاع الليبي مع عوامل أخرى لحلول عملية لمشاكلهم وخلافاتهم.
إثيوبيا… التحدي الأكبر
ومع إثيوبيا تكاد تكون غير ودية بسبب نهر النيل الذي تريد مصر أن تنفرد به بدون أن تتعب نفسها بأي التزام أو جهد لتطويره وتنمية موارده والحفاظ عليه، وليس هناك سوي علاقة ثقافية شكلية، وعلاقات اقتصادية لا ترقى لإمكانات البلدين واحتياجاتهما ومواردهما. بل وتسعى لعرقلة أي مشاريع اقتصادية تحتاج لتمويل دولي مستخدمة علاقاتها الدولية، وتواجدها في المؤسسات المالية بحجة عدم التوافق أو الاتفاق مع مصر حول النيل، وهذا ما ظهر جليا مع سد النهضة، وامتناع البنك الدولي عن تمويله. ومع أنها سعت مع كل من إيطاليا وفرنسا وألمانيا والصين حتى لا تشترك شركاتهم في القيام بتنفيذ أي أعمال في سد النهضة، إلا أن هذه الدول رفضت الانصياع للمطالب المصرية حيال ذلك، الأمر الذي أفشل مخططات مصر لمحاصرة إثيوبيا.
إريتريا… الارتباك سيد الموقف
تكاد تكون العلاقات المصرية الإريترية متميزة نكاية في إثيوبيا وتعزيزا للخلاف الإريتري الإثيوبي، وأيضا للدور المصري الداعم لاستقلال إريتريا بهدف تفتيت إثيوبيا وإضعافها، إلا أن التغيير الذي حدث في إثيوبيا وجاء بأبي أحمد جعل العلاقات المصرية الإريترية تتراجع بسبب انفتاح إثيوبيا على إريتريا وإقامة علاقات متميزة معها، الأمر الذي جعل إريتريا تتحرك في الملفات الإقليمية بالتنسيق مع إثيوبيا، وهو ما لا تحبذه مصر، ويدور همس بسوء العلاقة بين البلدين بسبب تعاطي إريتريا مع الملف التغراوي، وموقفها من سد النهضة، الأمر الذي أثار حفيظة القاهرة وسخطها.
مصر ودول حوض النيل
بالنسبة لعلاقات مصر مع دول حوض النيل الأخرى فهي علاقات أفضل ما يمكن أن نقول عنها أنها علاقات تتسم بالاستغلالية، ورغم كرم مصر في مجال المنح الدراسية، واستقطابها لأعداد مقدرة، إلا أن علاقات مصر في الأمور الأخرى لا تكاد تذكر، لأنها لا تهتم بتنمية وتطوير هذه المنطقة، ولا تتعامل معها إلا كصنبور ماء يجب أن يعمل باستمرار، بغض النظر عن عطبه، أو حاجته للصيانة أو غير ذلك، وكلما فكرت هذه الدول في أي مشروع تنموي (طاقة، زراعة، مياه شرب…. الخ) تتحفظ عليه مصر بحجة أنه ينقص من كمية المياه التي تذهب لمصر، وإذا قدمت الدعم أو قامت بتمويل وتنفيذ مشروع ما فإنه يكون بالمواصفات والمقاييس التي تحقق أهداف مصر لا البلدان التي تقام فيها، وهذا ما رأيناه في السد المقام في يوغندا، وتتولى شركة مصرية تنفيذه، وعندما أعربت دولة جنوب السودان حاجتها للكهرباء زودتها بمولدات للكهرباء لا تكاد تفي ولا ب10% من حاجة البلاد.
مصر وعلاقاتها مع بعض الدول العربية
علاقة مصر مع الجزائر علاقات يمكن أن يقال عنها لا انسجام فيها، وكمثال يمكن أن يذكر حتى أنه لا يمكن إجراء مباراة كرة القدم بين الفرق الرياضية بين البلدين على أرضهما، وإنما يتم إقامتها في أرض بلد ثالث.
ورغم متانة العلاقات الرسمية المصرية مع الأنظمة في السعودية والإمارات والبحرين والكويت، ومشاركة الخبرات المصرية في تنمية هذه الدول وبقية الدول الخليجية، إلا أن الأداء الإعلامي المصري يكاد يهدم البيت على ساكنيه في حال بروز أبسط خلاف مع مصر أو بعض مصالحها، وهذا ما نلاحظه بين الفينة والأخرى، ويظهر جليا خلال الفترة الماضية بين مصر والكويت على المستوى الإعلامي وتناول النخب في البلدين لمسيرة العلاقات بينهما.
وأما الحال مع قطر وخاصة بعد اصطفاف مصر مع موقف السعودية والإمارات ضد قطر فإن حالة العلاقات بين الطرفين عدائية لدرجة يصعب توصيفها، ويكاد الإعلام المصري والمحسوب عليه لا يمر بأي قضية على صلة بقطر من قريب أو بعيد إلا يشرشحها كما يقول أهل اللغات الدارجة.
الخاتمة
خلاصة القول أن مشروع مصر السياسي ليس له ضوابط وموجهات تأخذ في الحسبان مصالح مصر على المستوى الاستراتيجي وربما التكتيكي، الأمر الذي يهدد بتآكل الدور المصري وقوتها ومصالحها على المدى المتوسط والبعيد عوضا أن يساهم في إضافات معتبرة.