من المعروف أن فريضة الحج هي في الأساس هي لمن “استطاع اليه سبيلا”. ومع تعدد أوجه الاستطاعة تبقى الاستطاعة المادية هي المقياس الأول.
ونظرا للظروف الاقتصادية فإن معظم مسلمي إثيوبيا لا يتمكنون من توفير تكلفة الحج المتصاعدة عاما بعد عام. ويقوم ميسوري الحال من أبناء المسلمين في الداخل والمغتربين في الخارج بتوفير تكلفة الحج لوالديهم ولذويهم من كبار السن.
وكل عمليات تنظيم الحج هي قائمة على ما يتم جمعه من المسلمين، ولا توجد لدى المجلس الأعلى للشؤن الإسلامية موارد مالية الا مايتم يجمعه من الناس أو بعض العطايا الضئيلة من السفارات العربية في إطار العلاقات العامة.
فكان الأولى بأن يقوم المجلس بالبحث عن أفضل طرق اقتصادية لتخفيض كلفة الحج على الناس الذين لم يجب الحج على معظمهم اصلا.
حج المحسوبيات والمجاملات
ولكن وللأسف، درجت اداراة المجالس سنويا على تحجيج هياكلها الإدارية والتنفيذيين والنشطاء المساندين لها ” مجانا” وذلك باستقطاع جزء مما يدفعه الحجاج كعمولة إدارية للمجلس.
ولا يوجد لدى المجلس أية مواصفات واضحة لاختيار من يتم تحجيجهم على حساب الفقراء، وانما يتم الاختيار حسب شبكات السمع والطاعة والمصالح الشخصية، ودواعي العلاقات العامة.
ومن المفارقات، وفي غالب الأحيان، فإن الظروف المادية لمن يتم تحجيجهم على حساب الفقراء أفضل من ظروف أولئك الحجاج الذين يقصدون البيت الحرام على نفقة ذويهم.
وللأسف فإن التيار الحركي الذي يسيطر اليوم على المجلس والذي ظل يتهم المجالس السابقة بالضلال العقدي ( الصوفية والأحباش) وبالفساد المالي والمحسوبية والإدارية، يسير على نفس المنوال، ولسان حالهم يقول ” إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون”
رسوم العمرة … أتاوات المجلس على المعتمرين
وبالنسبة للعمرة فإن التنظيم الجديد الذي اعتمدته السعودية سحب البساط من تحت المجالس والبعثات الاسلامية، وحول الأمر إلى اجراءات سياحية بحجز من خلالها المعتمر على إحدى الباقات السياحية التي تقدمها شركات العمرة المعتمدة لدى الحكومة السعودية
وهذا التحول ساعد جموع المسلمين في التحرر ” ولوجزئيا” من سطوة المجلس وشبكات المصالح المرتبطة به.
ولكن وللأسف أيضا، فقد التف المجلس الأعلى على الاجراء السعودي بفرض ” رسوم” على المعتمرين بالاستعانة مع بعض الجهات المحلية حيث يصدر المجلس بطاقة للمعتمرين مقابل مبالغ كبيرة، وتقوم الجهات المتعاونة مع المجلس بمنع كل من ليس لديه تلك البطاقة من مغادرة المطار.
وهذا فيه اجحاف بحق المعتمرين، حيث يحق لكل من لديه تأشيرة عمرة صالحة وتذكرة وذهاب وعودة بالسفر دون تدخل من أحد. فمن الذي كلف المجلس بصد الناس عن السفر للعمرة، ومن الذي شرع له تعيين جهات أمنية تمنع الناس من السفر؟ أليس هذا صد عن سبيل الله بغير وجه حق؟
وتتراوح الرسوم التي فرضها المجلس خلال موسم العمرة المنصرم على كل معتمر بين ٥ و ٨ ألف بر إثيوبي، دون أي مقابل خدمي، إلا بطاقة “كرتونية” ليس لها أي معنى سوى انها استخدمت كوسيلة لجمع الأموال من الناس بغير وجه حق.
ولا يٌعرف كم تم جمعه من الناس، وفيم صرفت تلك الأموال؟ ومن الذي استفاد منها؟ فهل هذا ما وعد به التيار الحركي من النزاهة والشفافية، أم أن الحال من بعضه.
وفي معرض تناولنا لهذه القضية نقول :
١- أن التيار الحركي الذي ظل منذ عقود يصارع التيار الصوفي على سلطة المجلس ويتهم كل من خالفه بالضلال والتكفير والعمالة، والفساد يدير اليوم المجلس بنفس العقلية ويلعب نفس الدور.
فقد تغيرت الوجوه والرب واحد والفساد واحد.
٢- الصراع على المجلس الأعلى بين تيارات الاسلام الحركي والتيار الصوفي هو صراع على السلطة والنفوذ والمصالح، بين رجالات الدين ونشطائه، وليس له علاقة بعموم الاسلام والمسلمين.
وهنا نود التنويه إلى أن عموم المسلمين ليسوا معنيين بهذا الصراع، وعلى النخب المسلمة التركيز على قضايا التنمية البشرية والاقتصادية للمسلمين بالمشاركة مع عموم أهل البلاد بدل الانشغال بقضايا الصراع التي فرضها الإسلام الحركي على البلاد والعباد.
وفي الختام، ولتحرير قاصدي البيت الحرام من مسلمي إثيوبيا من شبكات المصالح ندعو إلى تعميم نظام ” نسك ” الذي يتيح للحجاج والمعتمرين التخطيط لرحلة العمر مباشرة مع شركات السياحة الدولية دون تدخل وتشويش من سماسرة الحج والعمرة.