في تطور لافت لكنه لم يكن مستغربا أعلن المجلس الوطني للانتخابات في إثيوبيا ( المجلس) رسميًا الغاء السجل الحزبي لجبهة تحرير شعب تيغراي ( الجبهة)
وجاء الغاء تسجل الجبهة كحزب سياسي لعدم تنفيذها “الإجراءات التصحيحية” التي طالب بها المجلس المخول بتسجيل الاحزاب السياسية وادارة الانتخابات.
فحسب المجلس “لم تستوفِ” الجبهة المتطلبات المنصوص عليها في الإعلان القانون الاستثنائي الذي يسمح بتسجيل أحزاب سياسية “بصفة استثنائية ” بما في ذلك المجموعات التي انخرطت في العمل المسلح.
ويأتي القرار عقب انتهاء مهلة الثلاثة أشهر التي كانت منحها المجلس للجبهة في فبراير الماضي.
وكانت الحكومة اصدرت قانون خاصا استيعاب التنظيمات التي انخرطت في الأعمال العسكرية ومن بينها جبهة تيغراي.
وبناء عليه تم اعادة تسجيل جبهة تيغراي في أغسطس ٢٠٢٤، كحزب سياسي جديد، مما يتطلب منها عقد مؤتمر عام تأسيسي في غضون ستة أشهر بحضور مراقبين من مجلس الانتخابات، وهو ما رفضت الجبهة الالتزام به.
بين حزب سياسي جديد واستعادة الوضعية السابقة
وكانت الجبهة، التي احتفلت بالذكرى الخمسين لتأسيسها في وقت سابق من هذا العام، تلقت تحذيرًا من المجلس في فبراير الماضي بأن عدم عقد المؤتمر العام التأسيسي سيؤدي إلى إلغاء سجلها الحزبي.
من جانبها ترفض الجبهة التسجيل كحزب سياسي جديد عبر قانوني استثنائي، وتطالب باستعادة وضعها القانوني كحزب سياسي قبل اندلاع حرب تيغراي في نوفمبر ٢٠٢١
وتصر الجبهة على أن اتفاقية بريتوريا، المُوقّعة بينها وبين الحكومة الفيدرالية في نوفمبر ٢٠٢٢ لإنهاء حرب تيغراي التي استمرت عامين في شمال البلاد تستلزم استعادة الجبهة وضعها القانوني ورفعها من قائمة المنظمات الارهابية.
وتتهم الجبهة لجنة الانتخابات والحكومة الفيدرالية بتقويض اتفاق السلام وتعريض العملية السياسية الهشة للخطر.
وتقول الجبهة إن رفض الاعتراف بها يقوض أسس اتفاق السلام”. وأضافت “يواصل المجلس الانتخابي موقفه السياسي الذي يُقوّض الثقة تحت ستار الغطاء القانوني”.
انقسامات وخلافات داخل الجبهة
وخلال العامين الماضيين شهدت الجبهة انقسامات سياسية حادة بين تيار الحرس القديم برئاسة ديبرصيون والتيار الليبرالي بقيادة الرئيس السابق للحكومة الاقليمية غيتاشو ردا.
وفي أغسطس ٢٠٢٤ شرعت الجبهة في عقد مؤتمرها التأسيسي العام حسب مطلب مجلس الانتخابات، وهي خطوة زادت من الانقسام والخلاف بين مؤدي الاندماج في النظام السياسي من بوابة التسجيل كحزب جديد وبين الحرس القديم الذي يرى ضرورة استعادة وضع ما قبل الحرب.
وبلغت هذه الانقسامات ذروتها باستيلاء الاطر الأمنية على السلطة في الاقليم وقيام الحكومة الفيدرالية بتعيين نائب غيتاشو وقائد قوت دفاع تيغراي خلال الحرب تيدسا وردا رئيسا جديدا لحكومة الاقليم المؤقتة.
أما غيتاشو ردا فتم تعيينه مستشارا لشؤون شرق أفريقيا في مكتب رئيس الوزراء بدرجة وزير.
وفي نهاية إبريل المنصرم أعلن غيتاشو تأسيس حزب سياسي جديد باسم حزب تيغراي الليبرالي الديمقراطي، وهو ماعتبره مراقبون منعطفا جديدا للمشهد السياسي والحزبي في إقليم يشكل سكانه قرابة ٦٪ من أجمال سكان اثيوبيا المقدر ب ١٢٠ مليون نسمة.
وهي خطوة كنا يراها متابعون تمهد لتحالفات سياسيي مع حزب الازدهار الحاكم لخوض الانتخابات العامة المقررة في العام القادم.
ماذا بعد
الغاء السجل الحزبي للجبهة خطوة ادارية لكنها بتبعات سياسية كبيرة، ولا يمكن لاي مؤسسة سيادية مثل مجلس الانتخابات ان تتخذ هكذا قرار دون النظر إلى تداعياته السياسية.
من أولى تبعات هذا القرار هو تحويل الجبهة إلى جهة غير قانونية لا تستطيع ممارسة العمل السياسي وأن الانتماء اليها والعمل معها يعتبر مخالفا للقانون ويعرض للملاحقة.
وبالتالي عدم قدرة الجبهة المشاركة في الانتخابات العامة القادمة والمتوقعة في صيف ٢٠٢٦
ومع الأخذ في الاعتبار الخلافات والانقسامات التي شهدتها الجبهة وتأسيس التيار الليبرالي حزبه الجديد الذي يتوقع ان يحصل على تأييد كاسح في إقليم تيغراي الذي أثخنته الحروب والصراعات وخاصة شريحة الشباب، وبين التغارو المغتربين مما يسحب البساط من تحت الحرس القديم ويحولها إلى مجموعات خارج السياق السياسي في الاقليم.
وفي اطار البحث عن خياراته السياسية، اتفقت تقارير متواردة على وجود اتصالات استراتيجية ومتقدمة بين الحرس القديم بقيادة ديبر ضيون و ارتريا – التي تعمل كعادتها على تجميع المعارضة الاثيوبية المسلحة وتنظيمها- وهي خطوة تأتي في اطار تشكيل تحالف عريض ضد حكومة آبي أحمد.
ويرى متابعون ان لجوء تيار الحرس القديم في الجبهة إلى هذا الخيار سيحوّله إلى مجموعة فلول وأصحاب مصالح خاصة كما يتهمهم غيتاشو ردا.
جبهة تغراي التي انفرد بها الحرس القديم أمام خيارين لا ثالث لهما : التفاوض والتوصل إلى اتفاق سياسي جديد مع حكومة آبي أحمد يسمح لها بالاندماج في النظام السياسي،
أو الارتماء إلى أحضان سيدها التاريخي اسياس أفورقي والتحول إلى حصان طروادة والانخراط معه ومع المتطرفين اليمينيين والقوميين في أعمال عدائية ضد إثيوبيا و تهديد النظام السياسي في أديس أبابا.
وهنا تكون خيارات الجميع مفتوحة على كل الأصعدة، والمنطقة مفتوحة على كل الاحتمالات، وسيكون الحسم هو سيد الموقف.