نيلوتيك بوست

التيار الحركي وأوهام “المفاوضات ” مع الحكومة

وحتى يتم الفصل "فكريا وعمليا" بين الديني والسياسي ستتعاقب النكبات على مسلمي إثيوبيا وبأيدي نشطاء الإسلام الحركي… وسيقوم الآخرون بالاستفادة من خدمات مجتمعاتنا مجانا

نورالدين عبدا
2023-10-24T19:29:19+03:00
مقالات رأي
alt=

بعد المؤتمر الصحفي الذي عقده المجلس الأعلى بقيادته ونشطائه ومستشاريه، مساء أمس الخميس، ساد اعتقاد كبير بين بين النخب الإسلامية والجماهير المسلمة أن ما جرى بين رئيس حكومة إقليم اوروميا شيمليس عبديسا وزعماء الديانات كان “مفاوضات” تم التوصل خلالها إلى حلول لمشكلة المساجد غير المرخصة.

وحيثيات اللقاء وترتيباته لم تكن تفاوضية، وإنما كان لقاء حواري وتقييمي، شكر فيه رئيس الإقليم الزعامات الدينية على القيام بواجبها.

وفي واقع الأمر لم يخصص اللقاء للمجلس الإسلامي فقط بل ضم ممثلين من الديانات والطوائف الأخرى.

فماجرى ليس تفاوضا …

المفاوضات عادة تتم بين اطراف مستقلة، لها مطالب محددة وواضحة، و خيارات مفتوحة ومختلفة، وأوراق ضغط يمكن تحريكها ليقبل أحد طرفي المفاوضات بمطالب الطرف الآخر .

المجلس الأعلى للشؤن الإسلامية في إثيوبيا هو جزء منظومة الدولة وإن كان ليس جزءا من البنية البيروقراطية للحكومة التنفيذية.

وبهذا المفهوم يمكن أن يكون للمجلس “خيار أو قرار ” نظريا.

لكن في الواقع الحالي في إثيوبيا لم ولن يكون للمجلس الأعلى ” خيار أو قرار” غير خيارات وقرارات الحكومة.

وأيضا هذا هو الواقع في العالم من حولنا، وخاصة الدول العربية والمسلمة، حيث لا يمكن أن يكون للإسلام الرسمي “خيارات أو قرارات أو فتوى” خارج اطر ومنظومة الحكم.

فتاوى المؤسسة الدينية الرسمية وقراراتها هي تعبير عن الواقع والرغبة والقرار السياسي، ليس إلا.

ومن يوهم الجماهير المسكينة بغير هذا من أهل المجلس ونشطائه، فهو لا يخلوا من أمرين:

١- إما أنه واهم وجاهل منفصم عن الواقع.

٢- أو أنه يخادع الجماهير بكلمات رنانة وخطابات حماسية.

وهذا الأمر الثاني هو الذي درج عليه واقع التيار الحركي إن كان مواليا أو معارضا للحكومات السابقة أو الحالية.

ماذا جرى في اللقاء…

لذا فإن لقاء قيادات المجلس الأعلى ونشطائه ومستشاريه مع رئيس إقليم أوروميا لم يكن تفاوضا، وتقديمه على هذا الأساس هو مخادعة الجماهير ودغدغة لمشاعرها التي تعتقد أن للمجلس خيار غير خيار الحكومة أو قراراتها.

ياقوم: هذا حوار تقييمي وتوجيهي بين أجزاء الدولة، قامت فيه الحكومة ( التنفيذية) للمؤسسة الدينية الرسمية بتوضيح موقفها و رؤيتها في التنظيم والتخطيط العمراني في مدينة شغر.

وتريد من المجلس ( مؤسسة دينية رسمية) ومستشاريه ونشطائه أن يخبروا الجماهير بواقع الأمر والترتيبات المتفق عليها.

وهذا الواقع والترتيبات كان المجلس على علم بها حتى قبل أحداث الجمعتين. ومصداق ذلك قول رئيس الإقليم لرئيس المجلس الأعلى ” انتم تعلمون ذلك .. أليس كذالك” وذلك في معرض شرحه للخطة العمرانية.

فخلال اللقاء لم يقدم المجلس مطالب، وإنما شكوى تتعلق بالتعقيدات الإدارية والبيروقراطية للحصول على أراضي للمعاهد والمساجد والمقابر.

فردت الحكومة بتضمين الخطة التطويرية لمدينة شغر المحيطة بالعاصمة أديس أبابا، مواقع ومساحات لتشيد مجمعات دينية حديثة تتماشى مع متطلبات العصر، وليست كانتونات لا تصلح للاستخدام الآدمي، حسب كلام رئيس الإقليم.

و اشترط عليهم أن البناء في الأراضي الممنوحة سيتم حسب التصاميم الهندسية والمواصفات الفنية المعتمدة من الجهات الإدارية.

وطالب رئيس الإقليم من المجتمعين على اختلاف مللهم ونحلهم ونشاطهم أن يبلغوا هذا للقواعد والجماهير المغيبة بخطاب ديني منفصل عن الواقع.

عقدة تيارات الإسلام الحركي

فدور المؤسسة الدينية الرسمية على اختلاف مللها هو تقديم وتوضيح طلبات المؤمنين بخصوص اراضي المجمعات من المساجد والكنائس والمقابر إلى الجهات الإدارية والعمل على التوفيق والمواءمة بين رؤية الحكومة سياسيا واجتماعيا وإداريًا وبين توقعات وتطلعات الجماهير المؤمنة.

وحقيقة، فالمنطق السياسي ووقع التجارب من حولنا يقول من يرفض أو لا يتمكن من القيام بهذا الدور الوظيفي من المنتمين للمؤسسات الدينية لأي سبب كان ( سياسي، عقدي، آيديولوجي أو شخصي) سيرحل غير مؤسوف عليه… يرحل وحاله كحال من قال الله فيهم “وإن تتولى يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم”

الطامة الكبرى يا إخوة هي في “الفكر الحركي” الذي يعتقد ويعمل على أن يحول المجلس إلى أداة يقارع بها اللاعبين الدينيين والسياسيين و الحكومات.

للأسف هذا حلم إبليس بالجنة …

فلن يسمح أحد في هذا العالم بلعب السياسة تحت عباءة الدين. وقد أريقت في سبيل ذلك دماء دموع، وأحرقت أجساد وأزهقت أرواح خلال قرن من الزمان، ولكن قومي لا يتعلمون.

ربما يحصل استخدام نشطاء الدين الحركيين في مرحلة من مراحل المشهد السياسي المتقلب، محليا أوإقليما أو دوليا، من قبل القوى السياسية المتنافسة. وهذا ما نحن بصدده الآن رضيتم أم أبيتم.

لذا نقول ونحن في هذا المنعطف التاريخي الذي تمر به بلادنا والإقليم والعالم:

اتركوا الدين لرجاله … وليترك رجال الدين ونشطاؤه السياسة لأهلها …

ومن أراد من المسلمين دخول المعترك السياسي فاليدخل إليها من بابها وبأدواتها، وكل الأمة ستسانده.

أما آلية العمل الحركي المعطوبة والقائمة على وضع رجل على منابر الجمعة … ومخاطبة الناس والجماعة بقرآن الرحمن، ورجل أخرى على منابر البرلمان وكواليس المقامرات السياسية فلا يجوز … وهي من الحرام السياسي.

ويقول المثل الأورمي ” لا تستطيع الوقوف في مكانين لأنك تتمتع برجلين”

وحتى يتم هذا الفصل “فكريا وعمليا” بين الديني والسياسي ستتعاقب النكبات على مسلمي إثيوبيا وبأيدي نشطاء الإسلام الحركي… وسيقوم الآخرون بالاستفادة من خدمات مجتمعاتنا مجانا.