مصر… بين تطرف النخب وعقلانية الدولة

عبد الشكور عبد الصمد5 يونيو 2021آخر تحديث : منذ 3 سنوات
عبد الشكور عبد الصمد
مقالات رأي
Ad Space
مصر… بين تطرف النخب وعقلانية الدولة

تعاني مصر من شد و جذب بين طرفي نقيض يدفعها نحو تبني سياسات واتخاذ إجراءات تصل حد التناقض والتطرف لاختلاف الرؤى والأولويات.
والسبب الرئيس في هذا الأمر هو مزيج من سياسات تربوية وتعليمية وإعلامية استطاعت قولبة المجتمع وصياغته نحو مركزية النيل، وقدسية الجيش وعظمته، وأنهما ركنا هده الدولة ومحورها، وأن المساس بهما هو نهاية مصر وشعبها، مع حيوية ومركزية قضية فلسطين والأقصي.

الطرف الأول هي النخب المصرية المعروفة بحب بلدها وحرصها عليه، وثقتها المطلقة في الجيش المصري، وقناعتها القوية لأبعد الحدود بقدراته وإمكاناته، بغض النظر عن صحة أو خطء هذه القناعة.

هذه النخب مقتنعة بمكانة مصر وحضارتها وتاريخها ولو كان وهما. وكل من يسوق لهذه المكانة المصرية وطني وشجاع، وغير ذلك عميل وخائن، وهذه النخب لا تؤمن بالتعايش، أو القبول بحلول وسط، وتدفع السلطة نحو التطرف في سياساتها وقراراتها.

الطرف الثاني رجال الدولة ومؤسسات الحكم والإدارة، فلديهم ما يكفي من معلومات وقدرات ضرورية لتقدير حجم التحديات والأخطار، وملمون بقدرات وموارد وإمكانات البلد، وبناء عليه تتخذ السياسات والقرارات المطلوبة، وتقد الدور الافتراضي لمصر محليا وإقليميا.

سياسات مصر التربوية والإعلامية شكلت المجتمع، عبر أجيال، ضمن مركزيات محددة، و أدت إلى الانفصام بين أحلام النخب وبين إدراك مؤسسات الدولة للحجم الطبيعي و القدرات الواقعية وتحديات البيئة الدولية والإقلمية

وهذا الدور يتمدد أو يتقلص بحسب اهتمامات ورغبات ساكن الاتحادية، كما رأينا في زمن الخديوي أو جمال عبدالناصر، أو فترة السادات، ولعله أكثر انكفاءا في عهد مبارك، وواقعية ومنطقية في عهد السيسي.

بين الدور الريادي والبطولي والدرامي الذي يعشعش داخل ذهنية النخب المصرية، وبين الحجم والقدر الواقعي الذي يتحرك في إطاره رجال الدولة ومؤسسات الحكم تكمن الأزمة الحقيقية لمصر، مما ينعكس على الشارع والإنسان البسيط.

ضبط علاقة الطرفين

استثمرت الدولة المصرية في الإعلام بسخاء منقطع النظير، وخاصة في المنطقة العربية، وتمتد سطوته لتشمل محيطنا الإفريقي. ولمصر دور فاعل وقوي في هذا الإعلام بمؤسساته المختلفة من مسرح وسينما وصحافة وإذاعة وتلفزيون، والآن في الإعلام الإلكتروني، والتواصل الاجتماعي .

تحاول الدولة المصرية ضبط الإيقاع في علاقاتها المحلية والإقليمية، وتعمل على خلق توازن بين المصالح المختلفة وربما المتناقضة، مع مراعاة التزاماتها وواجباتها كدولة، وبعض هذه الالتزامات يتناقض مع هوية المجتمع وأولوياته كما هو الحال في قضية الصلح مع إسرائيل المرفوض مجتمعيا.

سعى السادات لحل الخلاف مع إسرائيل عسكريا، فدخل معها في حرب ١٩٧٣ التي في أفضل حالاتها أعادت بعض الهيبة لمصر، ولكن اقتنع أن السلام مع إسرائيل أفضل خيار، فاندفع إليه بجرأة، فوقع اتفاقية (كامب ديفيد) واستعاد سيناء، ولكن تم رفضه من بعض نخب مصر فدفع حياته ثمنا للسلام.

اقتنع السادات بالسلام مع اسرائيل، لكن رفض الشارع والنخب المصرية للتطبيع أودى بحياة السادات

فترة مبارك (١٩٨٢-٢٠١١) اتسمت بالجمود، وانسحبت مصر من إفريقيا، واشتد الانكفاء بعد محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا من قبل مجموعة مصرية نسقت مع بعض رموز النظام السوداني في ١٩٩٤.

ومن دوافع محاولة الاغتيال التفاعل على خلفية قضايا اجتماعية وسياسة، ونقمة بعض النخب التي تتهم السلطات بتجاهل هوية مصر واستهدافها.
ساد الركود مصر ما بعد عبدالناصر المليئ بالمشاريع والشعارات، فلم يحدث أي إضافة حقيقية في الاقتصاد، وكان الدعم الاقتصادي الغربي والخليجي، كثمن للسلام مع إسرائيل، هو القاطرة التي تحرك العجلات، ونتج عنه التفاعل البطيئ الإطاحة بحسني مبارك في ثورة يناير ٢٠١١ الشعبية.
تم الالتفاف على ثورة يناير بتحالف الدولة المصرية بأذرعها الفعالة، والنخب المصرية، وتولى الجيش قيادة الدفة مجدداً.

وبما أن الوضع العالمي لا يسمح باستمرار الدعم، فعلى مصر مواجهة التحديات بدل ترحيلها، وفي مقدمتها الاستحقاقات الاقتصادية والسياسية، والعودة للبعد الطبيعي لمصر.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق
ملاحظة: تم تفعيل مشاركة الارباح لهذا الاعلان
يجب عليك تعيين "Adsense: data-ad-client" و "Adsense: data-ad-slot" من لوحة تحكم القالب