السلفية السلخية … كيف يحاول زعماء السلفية في إثيوبيا التهرب من مسؤليتهم التاريخية

نورالدين عبدا12 مايو 2024آخر تحديث :
السلفية السلخية … كيف يحاول زعماء السلفية في إثيوبيا التهرب من مسؤليتهم التاريخية

عقد المجلس الإسلامي الأعلى في إثيوبيا مؤخرا مؤتمرا تحت عنوان ” الوحدة والامن ودور العلماء” في مدينة هرر شرقي البلاد للتباحث حول الخلافات المتزايدة بين التيارات السلفية المتنافسة.

وقامت قيادة المجلس الذي يسيطر عليه التيار السلفي التقليدي بعقد المؤتمر ردا على تيار السلفية الجادة (المداخلة، اتباع الشيخ ربيع المدخلي) الأكثر تشددا.

وينتشر في منطقة هرر مجموعة من طلاب سابقين تخرجوا منذ سنوات من مركز الانصار، معقل السلفيين في اديس ابابا والذي يشرف عليه المفتى دحيلان خضر.

وأسس المتخرجون حلقات ومساجد خاصة في المنطقة وبدؤا ينافسون بها القيادات التقليدية وينشرون افكارا سلفية أكثر تشددا.

وبالإضافة إلى المناطق الشرقية تنتشر أفكار التيارات السلفية المتشددة تحت مسميات الجادة والنصيحة وغيرها في عموم اثيوبيا وخاصة في المناطق الجنوبية وفي العاصمة أديس أبابا، حيث يرفضون أفكار التعايش والتفاهم مع الصوفية والإخوان المسلمين ، على عكس التيار السلفي التقليدي الذي يحرص على استدامة علاقات التعاون مع تلك التيارات.

صراع ربان السفينة مع ركابها

وانتهت كلمات المؤتمر وقيادات المجلس إلى اعتبار السلفية المداخلة وما يسمى محليا بالسلفية الجادة وأخواتها “بالخوارج” .

فقد اعتبر د جيلان خضر مفتى إثيوبيا، من داخل قاعة المؤتمر المخالفين رأي الجماعة التقليدية ” خوارج “ ، وقال ” إن الذين تركوا جماعة المسلمين هم من الخوارج”.

وذهب الشيخ إبراهيم توفا رئيس المجلس الأعلى أبعد من ذلك، و اعتبرهم منسلخين من الدين وقال ” تقولون سلفية … سلفية ” ولكنكم سلخية ( أي منسلخين من الدين )، وأضاف انتم طلابنا ودرستم على أيدينا فمن أين جئتم بسلفيتكم.

أما الدكتور كمال غلتو، مفتي إقليم أوروميا فهاجم المداخلة واعتبرهم إحدى نتاج حرب الخليج الأولى ( عندما اعلن الشيخ ربيع المدخلي هجومه على الاخوان المسلمين والسلفية المتأخونة ، السروريين )، وانتقد الدكتور هجوم المداخلة على قيادات الاخوان التاريخية من البنا وقطب ، وحذرهم من مغبة التلاعب بأمن البلاد.

من جانبه فقد اتهم الشيخ محمود حسين المجموعات المخالفة بالعمالة لدى جهات أجنبية وتسعى لتخريب البلاد.

فتاوى التضليل … لمواجهة خطاب التكفير

وفي ظل هذا الحراك داخل المعسكر السلفي بتياراته المختلفة والمتنافسة نود أن نقول :

١- نرحب بإدراك القيادات التقليدية للتيار خطورة خطاب التشديد والتكفير والتضليل، ونبارك لعلماء التيار محاولاتهم التبرؤ من متشددي ومتطرفي التيار السلفي، كما نرحب بمساعي زعماء السلفية التماهي مع رياح التغيير والاصطفافات الفكرية محليا واقليميا. وهذه الخطوة وإن كانت متأخرة جدا، ولكن أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا.

ولكن … وضعوا خطوطا حمراء تحت كلمة ولكن

١-استخدام التضليل و الإخراج من الدين من قبل شيوخ التيار لمواجهة خطاب التكفير المدخلي يدل على الإفلاس الفكري لعموم التيار السلفي.

فزعماء وشيوخ السلفية في محاولاتهم التبرؤ من التيارات المتشددة استخدموا نفس الأسلوب المعهود. وهو ” تضليل الآخر وتكفيره “.

فالحكم على السلفية الجادة والجامية والمداخلة بالانسلاخ من الدين والخوارج هو ” منهجية التيار السلفي ” اذن فما هو الجديد .

فقيادات المجلس وزعماء السلفية لم يأتوا بجديد، إنهم يعززون فكر التكفير والتضليل، ويزيدون من خطاب الصراع في الساحة الإسلامية وداخل البيت المسلم، ويحاولون تبرئة ساحتهم بناءا على مواقفهم وخياراتهم السياسية والاجتماعية دون أي مراجعة حقيقية لأصول ومبادئ هذا المنهج المنحرف.

لا لمسك العصى من الوسط … دعوة لمراجعات فكرية ” منهجا وخطابا”

وعليه نقول: إذا كانت قيادات المجلس الأعلى وزعماء السلفية جادون في محاولات الابتعاد عن خطاب التشدد والتكفير فعليهم القيام بمراجعات حقيقية “منهجا وخطابا”.

ثم العمل على تعميم هذه المراجعة على المعاهد والحلقات الدينية وخطب المساجد التي تحولت إلى محاضن لتفريخ التشدد بفضل المنهج المنحرف الذي عملوا على نشره خلال العقود الماضية وحسب اعترافاتهم العلنية.

لا يمكن لزعماء السلفية أن يمسكوا العصى من الوسط، فيتبروا من السلوكيات والخطاب المنحرف للتيارات السلفية التي اختلفوا معها في خيارات الموقف السياسي والمرجعيات، وفي نفس الوقت يقومون بتدريس نفس الفكر وينشرون نفس فتاوى التكفير والتحريم من خلال المعاهد والمساجد والقنوات الدينية ومؤخرا عبر وسائل التواصل.

إن محاولات زعامات السلفية مسك العصى من الوسط هي من النفاق الفكري بامتياز، ومحاولات فاشلة للتغطية على العورات الفكرية لمنهج وفكر ثبت فشل بامتياز.

لذا ، فكما قام زعماء التيار بنشر تلك الأفكار خلال خمس عقود مضت ، وحولوا المجتمعات المسالمة في أرياف ومدن إثيوبيا إلى مجتمعات مؤدلجة سلفيا، عليهم الآن وبكل وضوح إعلان إفلاس ذلك الفكر، والعمل بجد وبكل وضوح عبر مناهج جديدة على نشر الاعتدال والتعايش وإخراج المجتمع المسلم الذي فرضوا عليه العزلة عن محيطه الوطني باسم الدين.

إنتا ندعوا المجلس الأعلى بقيادته الحالية إلى الاستفادة من الظروف المحلية والاقليمية والعمل على تجديد الخطاب الديني من حيث الصياغة والمحتوى فلا يمكن ان تدرس نفس الكتب وتحفظ نفس المتون ثم بعد ذلك تتوقع سلوكا مختلفا.

وإن بقاء زعماء التيار السلفي على قيادة المشهد الديني في إثيوبيا مرهونة بمدى استيعابها للدور المطلوب، والعمل جديا على التغيير الحقيقي.

عدا ذلك فقد حانت لحظة الفراق ، ولا تنطلي على المجتمعات والدولة سياسة مسك العصى من الوسط.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق