تشهد الصومال تصاعدًا ملحوظًا في التوترات الأمنية مع تقدم حركة الشباب نحو العاصمة مقديشو. وتأتي هذه التطورات وسط تحديات معقدة تواجه الحكومة الفيدرالية الصومالية، التي تعاني من انخفاض الدعم الدولي وضعف التنسيق مع القوات الأفريقية.
وحسب تقارير متواردة كثفت حركة الشباب مؤخرا هجماتها على مشارف مقديشو، مستغلة الفراغ الأمني الناتج عن انخفاض الدعم الغربي للحكومة الصومالية والتوترات بين العشائر المحلية.
وفقًا لـ”أفريكا إنتليجنس” فإن الهجوم الذي شنته الحركة خلال مارس الماضي استهدف مواقع استراتيجية قريبة من العاصمة، مما زاد من الضغط على الرئيس حسن شيخ محمود الذي يكافح للحفاظ على سيطرته على البلاد.
وأفادت تقارير مختلفة بسيطرة الحركة على بلدات ومناطق استراتيجية في وسط وجنوب الصومال، منها قاعدة عدان الاستراتيجية، مما يمهد الطريق لتقدمها نحو مقديشو.
استفادت حركة الشباب من ضعف التنسيق بين القوات الحكومية والميليشيات المحلية، وانخفاض الدعم اللوجستي والمالي من الدول الغربية، حيث أعلنت أمريكا إيقاف دعمها بالكامل. كما أن الحركة استولت على أسلحة ثقيلة من معسكرات الجيش الصومالي في المواقع التي انسحب منها، مما عزز قدراتها العسكرية.
دور القوات الأفريقية والتوترات مع الاتحاد الأفريقي
تظل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أوسوم)، التي حلت محل بعثة أتميس في يناير 2025، محورية في مواجهة حركة الشباب. ومع ذلك تواجه البعثة تحديات كبيرة، بما في ذلك نقص التمويل وانخفاض عدد القوات.
وتشير تقارير إلى أن الاتحاد الأفريقي يناقش في أديس أبابا و الدوحة خططًا لتعزيز البعثة، لكن الخلافات بين الدول الأعضاء، مثل استبعاد بوروندي من المشاركة بضغط من الحكومة الصومالية، أثرت على فعاليتها.
وعلى صعيد آخر عكست تصريحات وزير الخارجية الصومالي الأخيرة وتهديداته بطرد ممثل الاتحاد الأفريقي بسبب تقارير يُزعم أنها “سلبية”، وتتعارض مع جهود الحكومة حالة من الإحباط داخل الحكومة الصومالية التي ترى أن أوسوم لم تحقق النتائج المرجوة في مواجهة تقدم الشباب.
موقف الولايات المتحدة والدعم الغربي
وأثارت إيقاف الولايات المتحدة دعمها المالي واللوجستي لبعثة الاتحاد الأفريقي، مع بقاء الدعم بالتدريب والدعم الجوي ضد حركة الشباب مخاوف كبيرة من تدهور الوضع الأمني.
ويبدو أن إدارة الرئيس دونالد ترامب في ولايته الثانية عازمة على تقليص التزاماتها في مناطق النزاع، مع تركيز أكبر على ضربات جوية ضد قادة حركة الشباب بدلاً من دعم العمليات البرية أو التمويل المباشر.
وفيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي لا يزال الدعم للحكومة الصومالية قائمًا، لكنه يركز بشكل أساسي على بناء القدرات المؤسسية ودعم التنمية، بدلاً من المساعدات العسكرية المباشرة.
ومع ذلك، فإن مجموعة “أصدقاء الصومال”، وهي: أمريكا ودولًا أوروبية لم تجتمع منذ أكتوبر ٢٠٢٥، مما يعكس تراجع التنسيق الدولي.
محورية الدور الإقليمي
الدور التركي كبديل استراتيجي
في ظل تراجع الدعم الغربي، تلجأ الحكومة الصومالية إلى تركيا للحصول على دعم أمني أشمل. وفقًا لـ”أفريكا إنتليجنس”، قدمت تركيا أسلحة إلى الصومال، وتدرس إرسال قوات إلى الأراضي الصومالية لدعم الحكومة ضد هجمات الشباب، حيث وصلت بالفعل 500 من الجيش التركي إلى مقديشو، ويتوقع وصولها إلى 5000 جندي
ومعلوم أن تركيا عززت علاقاتها مع الصومال منذ توقيع اتفاقية دفاعية واقتصادية وأمنية في أبريل 2024، مما جعلها شريكًا استراتيجيًا، وهو ما ساعدها للعب دور الوسيط بين الصومال وإثيوبيا في الخلاف حول مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وصومالي لاند.
محورية دور دول الجوار
بحكم الجوار والمصلحة الوطنية تلعب إثيوبيا دورًا محوريا وحاسما في تثبيت الوضع في الصومال، فهي تقدم دعمًا عسكريا مهما للحكومة الصومالية ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي وخارجها، وخاصة بعد التغلب على الخلاف السياسي الذي أعقب مذكرة التفاهم.
ومع التحديات التي تواجه علاقات إثيوبيا والصومال، وتأثير عوامل التاريخ والاستقطاب الإقليمي والدولي المؤثر على علاقات البلدين، فإن الطرفين محتاجان إلى بناء علاقة قائمة على التعاون والعمل المشترك، بعيدا عن أي تأثير خارجي، وهو ما تستهدفه الدبلوماسية الراشدة.
تعمل كينيا الحفاظ على وجودها العسكري بالصومال ضمن بعثة أوسوم لمواجهة تأثير حركة الشباب على أمنها القومي، ورغم التزام كينيا بمكافحة الشباب، فإنها تواجه تحديات التمويل وهيكلة القوات في إطار البعثة الجديدة.
وتراجع تجارة الحدود نتيجة المخاوف الأمنية يحد من قدرة كينيا على دعم جهود التكامل الاقتصادي مع الصومال. وبسبب التداخل الإثني بين كينيا والصومال، ودوره في توازن العلاقات بين البلدين، فإن طلب الحكومة الصومالية مساعدة كينيا في نزاع داخلي يشير لمحاولة مقديشو استغلال النفوذ الكيني لتعزيز سيطرتها السياسية.
الطريق نحو المستقبل
تواجه الحكومة الصومالية تحديات حقيقية في مواجهة زحف حركة الشباب نحو مقديشو. ويتطلب الأمر تعزيز جهود وتنسيقها على جميع المستويات
داخليا فيجب على الصومال لتنسيق بين القوات الحكومية والميليشيات المحلية، و بذل جهد حقيقي ومنظم وتنسيق وتوحيد المواقف بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم لإيجاد رأي عام موحد قادر على مواجهة خطاب التطرف حركة الشباب وإعلامها القوي
وعلى المستوى الاقليمي والدولي يحتاج الصومال إلى استبدال الدعم الغربي المتضائل بدعم إقليمي متضافر بشركاء مثل تركيا، واثيوبيا ومصر مع الحفاظ على التوازن بين المصالح الإقليمية، و معالجة التوترات الناشئة من وقت لآخر مع الجوار وإلى موازنة دقيقة بين أصحاب المصالح الإقليميين وهم متعددون وقد تتقاطع مصالحهم في الصومال كأما في حالة إثيوبيا وتركيا وقد تتعارض في بعض الأحيان كما في حالة مصر وإثيوبيا .
وفي كل الأحوال على الصومال العمل على أن لا ينعكس التنافس الإقليمي سلبا على ضمان استمرار الدعم المالي والعسكري ودحر حركة الشباب.
التقدم العسكري لحركة الشباب نحو مقديشو يعكس هشاشة الوضع الأمني في الصومال، وتعقيد الديناميكيات الإقليمية والدولية.
ورغم الجهود التركية الإثيوبية والكينية لدعم الحكومة والاتحاد الأفريقي، فإن تراجع الدعم المالي الغربي للصومال مباشرة ولقوات الاتحاد الأفريقي يضع الرئيس حسن شيخ محمود أمام اختبار صعب قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2026.
وفي هذه المرحلة من الاستقطاب الدولي وتباين أولويات أقطاب العالم فإن منع حركة الشباب من السيطرة على العاصمة وإشاعة الفوضى الشاملة في كل الصومال هي مهمة أهل الصومال في الأساس، وتتطلب استراتيجية شاملة تجمع بين العمل العسكري والمصالحة السياسية والدعم الإقليمي والدولي المنسق، والا فإن الوضع في الصومال سيكون في مهب الرياح حركة الشباب .