الطريق الصحيح أمام أمريكا لمواجهة روسيا في إفريقيا

بمساعدة الديمقراطيات الناشئة ستتلاشي جاذبية موسكو وتنحصر في دعم الأنظمة المستبدة

إدارة الأخبار والتقارير20 يوليو 2024آخر تحديث :
الطريق الصحيح أمام أمريكا لمواجهة روسيا في إفريقيا
ترجمة /  د.الحسين الشيخ العلوي: أكاديمي وباحث ومترجم

مقال مترجم للكاتبان فريدريك ويري: زميل أقدم في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومؤلف كتاب “الشواطئ المحترقة: المعركة من أجل ليبيا الجديدة.” وأندرو ويس، على فورين أفيرس نائب رئيس الدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومؤلف الرواية المصورة “القيصر العَرَضي: حياة وأكاذيب فلاديمير بوتين”

 يحقق الكرملين نجاحاً كبيراً في أجزاء كبيرة من أفريقيا. ففي أبريل الماضي، أعلن البنتاغون انسحاب القوات العسكرية الأمريكية من تشاد والنيجر، وهما شريكان رئيسيان للولايات المتحدة في جهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، تتجهان الآن إلى روسيا للحصول على المساعدة الأمنية.

وفي حالة النيجر، أمر المجلس العسكري الذي استولى على السلطة بإنقلاب عسكري العام الماضي الموظفين الأمريكيين بمغادرة قاعدة الطائرات المسيرة  التي التي كلفت ١٠٠ مليون دولار.

وفي الوقت نفسه، كثف الكرملين  من إرسال المرتزقة والوكلاء والعتاد إلى ليبيا خلال الأشهر الستة الماضية، مما عزز من وجوده الكبير بالفعل في ذلك البلد. الآن أصبحت ليبيا نقطة إرتكاز مهمة لروسيا في البحر الأبيض المتوسط ونقطة انطلاق لعملياتها في أماكن أخرى في أفريقيا.

وسمحت سلسلة الانقلابات العسكرية في أنحاء أفريقيا منذ العام 2020 لموسكو بتعزيز موقفها في القارة، ورغم قيامها بضخ موارد عسكرية واقتصادية هائلة في الحرب في أوكرانيا، فإن الوجود العسكري والسياسي والاقتصادي لروسيا تزايد في مجموعة متعددة من البلدان الإفريقية، تشمل الآن بوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي والسودان.

على عكس التوقعات الأمريكية، فإن الوجود الروسي تزايد في عدد من البلدان الإفريقية رغم محاولات الغرب استنزافها في حرب في أوكرانيا

وهذا يتعارض أيضا مع التوقعات التي عبر عنها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي قال في يونيو٢٠٢٣، أن الغزو واسع النطاق لأوكرانيا قد “قلل من النفوذ الروسي في كل قارات العالم”. لكن بعد مرور أكثر من عامين على تلك الحرب، من الواضح أن روسيا لا تزال قادرة على اغتنام الفرص لتوسيع نطاق انتشارها في أفريقيا وأجزاء أخرى من العالم.

مع وجود العديد من الأزمات الأخرى التي تستدعي اهتمام إدارة بايدن، فإن أمر محاربة وتقليص التوسع الذي أحرزته روسيا في أفريقيا لن يكون بالأمر السهل بتاتا، خاصة وأن الكرملين تواطأ مع العديد من الأنظمة غير المرغوبة هناك. فضلا علي أن روسيا حققت تلك النجاحات الأخيرة مستفيدة من مزيج من ديناميكيات الأمن الإقليمي المتدهورة ومساويء تاريخ ما بعد حقبة الاستعمار في القارة. ففي منطقة الساحل، على سبيل المثال، تتباهى روسيا بقدرتها على مساعدة الحكومات في الرد على العنف المتزايد والتهديدات الجهادية بالمنطقة، وهو الأمر الذي عجزت عنه فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، بسبب سجلها الطويل من العجرفة والسياسات الفاشلة.

والسؤال الرئيسي بالنسبة للولايات المتحدة هو كيفية تحديد أهداف سياسية واقعية تخدم وتقوي نفوذ واشنطن، تتوافق مع القيم الأمريكية، وتمكنها من تسخير إمكانات أفريقيا الهائلة مع الاعتراف بأن العديد من البلدان تظل متهيبة ومتحفظة في رهاناتها عندما يتعلق الأمر بالشركاء الأجانب. 

وكثيراً ما تعاملت الإدارات الديمقراطية والجمهورية على حد سواء في مواجهة روسيا باعتبارها غاية في حد ذاتها، معتبرة أن متطلبات المنافسة بين القوى العظمى تعتبر مبرراً للعمل في كل دولة تكتسب فيها موسكو موطئ قدم. ينبغي لصناع السياسات في الولايات المتحدة أن يتخذوا نهجا أكثر انتقائية.

وبدلاً من مجرد محاولة التنافس على كسب ود الزعماء الأفارقة الذين يشكلون في بعض الأحيان عائقا أكثر من كونهم مصدر قوة للولايات المتحدة، يجب على واشنطن أن تستمر في مساعدة شركائها الحاليين على توطيد الحكم الرشيد وتوفير الفرص الاقتصادية والأمن لمواطنيهم. فمن الممكن أن تعمل مثل هذه المساعدات على تحسين حياة الأفارقة العاديين وتقليل احتمالات تطلع حكوماتهم إلى روسيا في المستقبل.

أما بالنسبة لتلك الدول التي لجأت بالفعل إلى روسيا طلبا للمساعدة، فيتعين على واشنطن أن تعترف بأن السياسة الأكثر فائدة والمثمرة  في كثير من الحالات – رغم صعوبة عدم رد الفعل – هي التراجع وعدم التدخل في هذه البلدان والسماح لجاذبية روسيا بالتلاشي والتآكل من تلقاء نفسها.

حان الوقت لروسيا

وتستفيد روسيا من موجة تراجع الديمقراطية وتعزيز الاستبداد في مختلف أنحاء القارة. وقد أطاحت الانقلابات العسكرية بالعديد من الحكومات الصديقة للغرب في المستعمرات الفرنسية السابقة مثل بوركينا فاسو وتشاد ومالي والنيجر.

هذه الاتجاهات الحديثة لها جذورعميقة. فمع انتهاء الحكم الاستعماري الأوروبي، في الفترة من خمسينيات إلى سبعينيات القرن العشرين، تبنت العديد من البلدان الأفريقية، مثل السنغال وتنزانيا، انتخابات متعددة الأحزاب، ولكن بلدان أخرى، مثل بوروندي وجمهورية أفريقيا الوسطى، تحولت إلى دكتاتوريات معرضة للانقلابات العسكرية. وكانت المستعمرات الفرنسية السابقة ميّالة بشكل خاص إلى الاستبداد، نظرا للهياكل السياسية ذات المركزية الشديدة التي ورثها المستعمرون ودعم باريس للحكام الأقوياء.

في الحرب ضد عنف المتطرفين في العقود التي تلت أحداث ١١ سبتمبر، قامت واشنطن وباريس بتدريب ضباط عسكريين محليين في منطقة الساحل الإفريقي قاموا في كثير من الأحيان بإرتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. وبعد سنوات،  قام بعض هؤلاء الضباط بإ نقلابات عسكرية أو دعموها، بما في ذلك الانقلابات في بوركينا فاسو ومالي والنيجر.

كما تجاهلت الولايات المتحدة وفرنسا في كثير من الأحيان حقيقة أن المنظمات المسلحة في منطقة الساحل تستمد قوتها من سوء الإدارة المحلية التي عززت من حضورها وسطوتها بسبب مساعدتها الأمنية في مكافحة الإرهاب.

وقد أدى الرد الغربي على ثورة ليبيا في ٢٠١١ إلى تفاقم الأمور. فبعد تدخل حلف شمال الأطلسي لدعم الثورة التي أطاحت بالديكتاتور معمر القذافي، انزلقت البلاد إلي حالة من الفوضى العارمة.

وقد خلق تشظي وإنقسام ليبيا فرصة للتدخل الروسي وزعزعة استقرار البلدان الواقعة إلى الجنوب منها. وتدهورت الأوضاع الأمنية في ليبيا بعد انسحاب الولايات المتحدة في ٢٠١٢، الأمر الذي  أفضي إلي إندلاع الحرب الأهلية في ٢٠١٤، فاستغلت موسكو فراغ السلطة الناجم عن ذلك. وبدأت روسيا في إنشاء رأس جسر في ليبيا لأنشطتها في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في ٢٠١٨.

أرسل الكرملين آلاف المقاتلين من مجموعة فاغنر شبه العسكرية، وهي جماعة مرتزقة خاصة تسيطر عليها الحكومة الروسية، إلى جانب جنود روس نظاميين، وأسلحة متقدمة، ومتخصصون في المعلومات المضللة والحرب الألكترونية لمساعدة أحد أمراء الحرب المتمركز في شرق ليبيا في محاولته هزيمة الحكومة المعترف بها دوليًا في العاصمة.

وعلى الرغم من فشل هذا الجهد، فقد تمكنت القوات الروسية مع مرور الوقت من الوصول إلى العديد من القواعد الجوية الليبية، وفي وقت لاحق، إلى الموانئ الرئيسية، التي تستخدمها الآن لنقل الأسلحة والمقاتلين إلى بوركينا فاسو وتشاد ومالي والسودان. كما سمح الوجود الروسي في ليبيا للكرملين بالاستفادة من تهريب الوقود والذهب والمخدرات والمهاجرين.

لقد تعلمت روسيا دروسا من تواجدها في ليبيا والتي أصبحت الآن نقطة إنطلاق لتدخلها في جميع أنحاء القارة. إن التدخلات المحدودة والمرنة والتي يمكن إنكارها اسمياً ــ غالباً نيابة عن شركاء غير مرحب بهم لا يرغب الغرب في قبولهم ــ من الممكن أن تؤسس للنفوذ الروسي بالحصول على مصادر إيرادات مربحة ورخيصة وآمنة، مثل تعدين الذهب. وبمقابل جهد بسيط نسبياً، نجحت روسيا في تسويق نفسها كشريك قادر على تقديم المساعدة العسكرية وحماية النظام دون المطالبة بتنازلات بشأن حقوق الإنسان أو الديمقراطية.

وتدرك موسكو، بطبيعة الحال، أنها لا تستطيع أن تتفوق على الحكومات الغربية عندما يتعلق الأمر بتوفير الرخاء الاقتصادي أو الأمن البشري. ولكن بما أن الكثيرين في المنطقة ما زالوا يشعرون بالاستياء من أبوية وتعالي باريس – وبدرجة أقل، متشككين بشأن نوايا واشنطن – فقد اكتشف راسمو سياسات الروس أن أكبر ميزة لديهم هي أن روسيا ليست فرنسا ولا الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال تحظي بشعبية أكثر من روسيا في جميع أنحاء أفريقيا، إلا أن الفجوة في معدلات قبول الأفارقة للدولتين ضاقت خلال العقد الماضي، وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة غالوب عام ٢٠٢٤. ولا ينبغي للمسؤولين الغربيين أن يفترضوا أن سمعة روسيا سيئة في قسم كبير من أفريقيا كما هي الحال في الدول الغربية.

الأقل هو الأكثر

ويجب على واضعي السياسات  في الولايات المتحدة أن يتعلموا أنهم لا يستطيعون دائمًا المزايدة على موسكو في أماكن مثل مالي أو النيجر.

لقد فشلت الولايات المتحدة في كثير من الأحيان في جهودها الرامية إلى إخضاع الحكومات الأجنبية المناوئة لإرادتها، والقادة في مثل هذه الأماكن بارعون في إثارة القوى العظمى ضد بعضها البعض للحصول على ما يريدون.

إن الاستخدام الأفضل لعناية واشنطن ومواردها هو دعم الشركاء الحاليين في أفريقيا الذين يشاركون القيم الأمريكية والملتزمون بمساعدة مواطنيهم وتحسين ظروفهم، وليس فقط دعم أنظمتهم. ينبغي على واشنطن تعزيز علاقاتها مع الدول الإفريقية مع إلزام شركائها بمعايير عالية.

لقد كانت خطوة في الاتجاه الصحيح بالنسبة لإدارة بايدن تصنيف كينيا كحليف رئيسي من خارج الناتو. بطبيعة الحال، يسلط القمع العنيف الذي مارسته الحكومة الكينية على المحتجين بعد أسابيع فقط من زيارة الرئيس الكيني ويليام روتو لواشنطن الضوء على حاجة الولايات المتحدة إلى التدقيق المستمر في شركائها.

ولا ينبغي لها أن تمنح أي حكومة – حتى لو كانت منتخبة ديمقراطياً – تصريحاً مجانياً لمجرد أنها تنحاز إلى واشنطن بدلاً من موسكو. يتعين على الولايات المتحدة أن تستمر في تضمين الشروط السياسة في حزم مساعداتها التي تقدمها للقادة الأفارقة لجعلهم يحكمون بشكل أكثر فعالية، والحد من الفساد، وتوسيع التجارة، وتحسين القدرة التنافسية، وخفض الديون المرتفعة.

سيكون من قصر النظر التخلي عن هذه الشروط لمجرد كسب تأييد الدول التي إستمالتها روسيا. بالتوازي، يجب على الولايات المتحدة أن تستمر في تسليط الضوء على الأفعال الروسية السيئة، سلوكها في النهب، وانتهاكات حقوق الإنسان، ودعم الفساد على نطاق واسع من خلال نشر المعلومات الدامغة التي يجمعها النشطاء والصحفيون المستقلون والحكومات الغربية.

في بعض الحالات، عندما تكون مصالحها الحيوية على المحك، يجب على الولايات المتحدة الرد على روسيا من خلال العقوبات أو الدبلوماسية أو حملات الضغط أو العمليات الاستخباراتية. ومع ذلك، ينبغي على واشنطن، في أغلب الأحيان، الاستفادة من حقيقة أن موسكو غالبًا ما تكون أسوأ عدو لنفسها.

وتتلخص الصفقة التي يعقدها الكرملين عادة مع الحكام المستبدين في أفريقيا في حماية أنظمتهم، وتوفير الأسلحة المستأجرة، وتنظيم حملات تضليل براقة في مقابل حصة مربحة في الصناعات الاستخراجية والتعدين.

وغالباً ما تأتي المساعدة الروسية بنتائج عكسية. في بوركينا فاسو ومالي، على سبيل المثال، قتلت الحكومات التي يقودها الجيش عشرات المدنيين وانخرطت في انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان، وأحيانا بمساعدة مرتزقة روس. ولن تؤدي مثل هذه التكتيكات الوحشية إلا إلى تفاقم المشاكل الأمنية التي تجتاح أجزاء من منطقة الساحل. وفي السودان، تدعم روسيا طرفي الحرب الأهلية الدموية، مما يؤجج العنف، في محاولة للحصول على إذن لبناء قاعدة على البحر الأحمر. وبمرور الوقت، ربما يدرك الزعماء الأفارقة المهتمين بمصالحهم الذاتية أن الرعاية الروسية تجعلهم في وضع أسوأ على المدى الطويل.

وبطبيعة الحال، سيكون من السذاجة أن نتوقع أن الدول الأفريقية التي تستغلها روسيا سوف تعود ببساطة إلى أحضان الولايات المتحدة. وفي جميع أنحاء القارة، يحرص المواطنون والحكومات على حد سواء بشكل متزايد على رسم مسارهم الخاص وتنويع علاقاتهم الخارجية، ويجب على واشنطن قبول هذا الواقع.

ولكن من خلال عرض شراكتها على البلدان التي تريدها وترك الباب مفتوحاً أمام التعاون المستقبلي مع تلك التي لا تريدها في الوقت الحالي، تستطيع الولايات المتحدة صياغة سياسات أكثر فعالية دون الضغط على القادة في جميع أنحاء القارة للانحياز إلى أحد الجانبين كما كان متبعا كأسلوب تقليدي لمعركة النفوذ إبان الحرب الباردة.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق