حسب تقديرات مختلفة تزيد نسبة مسلمي إثيوبيا عن ٥٠ ٪ من اجمالي سكان البلاد المقدر ب ١٢٠ نسمة.
رغم هذا العدد الضخم فإن مشاركة وفاعلية المسلمين في الحياة العامة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا تكاد لا تذكر.
ويعود ذلك في الأساس إلى الخلفية التاريخية لنشأة إثيوبيا الحديثة، التي -وفي سبيل تكوين امبراطورية قائمة على المركزية السياسية والدينية والثقافية- سحقت حقوق مكوناتها الدينية والعرقية المختلفة.
كما يعود أيضا إلى التخلف المدني لمسلمي إثيوبيا بسبب الابتعاد عن التعليم الأكاديمي والمشاركة في الخدمة المدنية والعسكرية لأسباب تعود الى طبيعة سياسات الدولة سابقا، وإلى عدم قدرة مسلمي إثيوبيا الموائمة بين متطلبات الاندماج في الدولة الجديدة مع الاحتفاظ بالهوية الدينية والعرقية الخاصة.
اليوم فإن التغيرات الكبيرة التي شهدتها البلاد على مدى العقود الماضية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ضَمِنت للمكونات العرقية والدينية قدرا كبيرا من الحريات وهامش واسعا من المناورة مما ساعد على تعزيز دور المسلمين المنتمين لتلك العرقيات والثقافات.
فاعتماد الفيدرالية الاثنية، رغم مشاكلها البنيوية في بناء دولة المواطنة، واعتماد علمانية الدولة وضمان الحريات العامة دستوريا، ساعد في حل العديد من مشاكل الانتماء والهوية، وهيأ الظروف لدخول المسلمين للتفاعل إيجابًا مع المكونات الأخرى والمشاركة في بناء الوطن ومكوناته.
ورغم حل الإشكال على المستوى الدستوري إلا أن إزالة ترسبات الماضي وتفكيك عقلية البيروقراطية الثيوقراطية المتجذرة، وتغيير سلوك المؤمرات والمماحكات الذي يتميز به الفكر السياسي والإداري الحبشي، لتحقيق الحقوق الدستورية عمليا مازال يحتاج إلى نضال واع “طويل الأمد”.
وذلك النضال يجب ان يكون بأدوات النضال المدني والسياسي. ولكنه لن يكون أبدا بأدوات الصراع الديني والتجييش الطائفي، ولا بأدوات الإسلام الحركي الذي يغذي شعور العزلة و عقدة المظلومية التاريخية لدى المسلمين.
الأزمةالفكريةلدىالنخب الإسلامية في إثيوبيا
فرغم توافر الظروف الموضوعية المشار إليها أعلاه لدخول مسلمي إثيوبيا إلى معترك النضال السياسي المدني والمشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإن المنحى الفكري للنخب الإسلامية يقف عائقا أساسيا أمام المشاركة والفاعلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمسلمين ككتلة سكانية ذات ذات انتماء ديني موحد.
فالاتجاه الفكري للنخب المسلمة ظل محافظا بالخاطب الديني التقليدي المتمسك بالتراث والمتلبس بلبوس فكر الإسلام السياسي بشقيه السلفي والاخواني.
كما أن عقدة المظلومية التاريخية التي عانا منها المسلمون بحكم الدين والعرق في جنوب وشرق البلاد وبحكم الدين فقط في شمال البلاد مازالت تهيمن على العقل الجمعي المسلم في بلدنا، وهي التي توجه تفكيره في مواجهة التحديات الراهنة.
وجاءدورالتياراتالاسلامية، منذ ما يزيد عن نصف قرن ليزيد الطين بلة ويعزز من تلك العقدة، بل وعمل على إذكاه آلامها، لأنها مثلت له الرافعة الأساسية والسهلة لترويج أفكار وأيديولوجيات الإسلام السياسي القائمة على ردة الفعل والصراع الأبدي مع الآخر.
فأدى كل ذلك إلى معاداة الدولة لأنها ظالمة، ومعادات المجتمعات الأخرى لأنها كافرة ومعادات المسلم الآخر لأنه ضال لخروجه عن المنظور العقدي و الحركي، واصبح هذا جزءا أصيلا من الموجهات الفكرية والسلوكية لشريحة ضخمة من العامة والنخبة.
واليوم وبعد مرور أكثر من نصف قرن على نشاط الاسلام الحركي في إثيوبيا تقزمت كل أجندات مسلمي إثيوبيا الى ثلاثة مسائل دينية كلها تدور حول مفاهيم وشعائر دينية من منظور حركي ضيق ومشوه.
١- المساجد والمجلس الأعلى، الذي جعله التيار الحركي قضية القضايا لمسلمي اثيوبيا ويتصارعون عليه فيما بينهم ومع الدولة والمجتمع الاآخر، وما فهموا انه مجرد اداة وظيفية محدودة التأثير.
٢- النقاب والحجاب الذي اصبح الهم الأول والاخيرة لقطاعات عريضة من شباب الجامعات، وبسببه تسير الاحتجاجات والمواجهات، ويحرم على الفتيات والنساء التعليم والعمل والمشاركة العامة.
٣- الحلال والحرام الحركي والتراثي ( حرمة مجالس العزاء، حرمة معايدة وتهنئة غير المسلمين، حرمة المشاركة في الفعاليات الثقافية والاجتماعية، حرمة السينيما، حرمة الفن والموسيقى والسينما ، حرمة الاكل من ذبائح أهل الكتاب ، حرمة الحصول على المساكن بالبنوك التقليدية، حرمة الحصول على القروض الصغيرة وحرمة العمل مع البنوك التقليدية وتأجير المكاتب والبيوت لها …. والقائمة تطول .
كتلة بشرية عزلتها الآيديولوجيا الحركية عن الوطن وهمومه
وفي نهاية المطاف أصبحنا كمجتمع مسلم اليوم كتلة بشرية ضخمة موجهة بأيديولوجيا التيارات الحركية الأكثر تشددا في تفسير النصوص الدينية ” ومعزولة عن محيطها الوطني” لا تتفاعل” ، وتبحث نخبها عن اجندات صراعية لتبقى على جموع المسلمين حولها.
وبهذا تحولت جموع المسلمين إلى كتل بشرية “منفعلة” يمكن استثارتها بتحريك واحدة من تلك القضايا، مما حول مسلمي إثيوبيا إلى ورقة سياسيه ” مربحة ” يتم تحريكها بسهولة في لعبة الشطرنج السياسي الوطني.
فبقرار إداري من موظف قزم في إدارة المؤسسات الطوعية بغلق مدرسة “الأولية” لعدم تجديد رخصتها السنوية تم تحريك النخب الاسلامية وجموع المسلمين و توجيهها نحو رفع شعارات كبرى ” لا لتدخل في الحكومة في الدين” وفي النهاية تحولوا الى داعمين ومشرعين لذلك التدخل، وأصبحوا يستدعون اجهزة الحكومة لاصلاح ذات بين التيارات والطوائف الاسلامية.
واليوم وبقرار بلدي لإزالة العشوائيات يتم تحريك المسلمين لخلط أوراق سياسية كبرى وضربهم بيد من حديد ليكون عبرة لغيرهم وليكونوا عقبة أمام تغييرات سياسية كبرى فيكونون خارج مسار التغيير حتى لا يكونوا المستفيد الأول منها.
ثم يتم منح قطعة ارض كبيرة لمسجد تقع بين ليقيم التيار الحركي الدنيا ولا يقعدها بالاحتفالات والاستعراض الاعلامي، في مظهر استفزازي للآخرين ، ونستغفل لجموع المسلمين بنصوص التمكين.
الناس في النفير وإخواننا لا في العير ولا في النفير
فالنخب الاسلامية اليوم في إثيوبيا لا يوجد لديها قضية وطنية ولا يهمها المستقبل، بقدر ما يهمها الحفاظ على زخم الجماهير عبر إثارتها بخطاب شعبوي لا يمت بصلة بسلم “أولويات الأمم”.
مثل عقد امتحانات المدارس خلال صيام وأعياد المسلمين، أو منع ” منقبات ” من الدخول الى الحرم المدرسي والجامعي. والمطالبة بتخصيص نسبة للمسلمين في الخدمة المدنية والحياة العامة، دون ان يعملوا على تغيير سلوك المسلمين القائم على العزلة بدل “النضال بالمشاركة”.
والاقتصادي المسلم لا يهمه الا تقسيم الناس على موائد الطعام وعزل المسلمين في المناسبات العامة بمفهوم هذا مطعم إسلامي وذلك مطعم مسيحي.
والمرأة المسلمة مغيبة تماما عن المشاركة في الحياة العامة وجعلوا كل اهتماماتها قضايا النقاب والجلابيب المستورد من كوريا والصين والمصنعة من مواد في غاية السوء والضرر، وليتهم علمو نساءهم انتاج الخمار والحجاب من القطن النظيف الذي ينبت في بلادهم.
يحصل هذا والآخرون أعدوا مجالسهم لحوار وطني يهئ البلاد والمنطقة لعقود قادمة إن لم يكن لقرون لتحديد “من يحصل على ماذا”، وذلك في عقد اجتماعي جديد يتقاسمون فيه الثروة والسلطة.
وسيحصل فيه المسلمون، حسب مطالبهم، على مساجدهم ومطاعمهم وجلابيبهم الرجالية والنسائية، وكان الله يحب المحسنين.
يحصل هذا والآخرون يعملون على تسليح ناشئتهم بالعلم والمعرفة لمواجهة تحديات الغد، بينما نحن مازلنا مصرين على تجهيل قطاعات عريضة من الشباب بتحفيظهم “متون القرون الوسطى” ليتصارعوا بها وعليها ومع الجميع للحصول على قطعة أرض غير مرخصة ليعيد فيها انتاج أجيال مؤدلجة. ولنظل نقرء محفوظاتنا من التراث ” تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها” ونحن لا ندرك أننا نحن الخدم في تلك “القصعة “
فللأسف مسلموا إثيوبيا اليوم، ورغم الأكثرية العددية المفترضة، فقد حولتها التيارات الحركية إلى أقلية سياسية واقتصادية ( منعزلة) بفضل فكر الصراع والعزلة الذي تم فرضه على المسلمين عبر ادبيات تيارات الإسلام الحركي التي تحولت الى دين .
الطريقنحوالمستقبل
“الجمود” هو ضد الوجود وهو ضد حركة الكون والتاريخ، وأكثر أنواع الجمود هو الجمود الفكري الذي يكبل حركة الأمم باسم الدين.
لذا فنحن ندعو نخب ومسلمي إثيوبيا للتحرر من الجمود الفكري والخروج إلى عوالم الحركة ” بعقلانية” العصر وأدواته.
ندعوا للتحرك بعقلانية متحررين من قيود التراث المغلف بإطار من الفكر الحركي، الذي قيد حركة الأمة وفاعليتها على كل الأصعدة.
وفي هذا الاطار نحن بحاجة ماسة لحوار اسلامي نخبوي، حقيقي وشفاف لتجديد الخطاب الديني، ولتحديد اجندة المسلمين الوطنية وسبل اخراج عموم المسلمين من عقدة المظلومية التاريخية ومن العزلة التي فرفضناها عليهم بفكر التيارات الحركية.
يجب ان نحدد ماذا نريد من هذا الوطن وماهي واجباتنا نحوه، وكيف نتشارك ونتفاعل مع المجتمعات حولنا حسب واقع اليوم، وليس حسب مفاهيم مستوردة من وراء البحار، ومستخرجة من تراث دار الكفر ودار الاسلام.
فاليوم ليس هناك ديار وانما اوطان يتشارك فيها الجميع، فإما أن نكون جزءا منه بحلوه ومره، او نبحث لنا عن وطن بديل.
نعرف أن البعض قد يرى كلامنا هذا نشازا وسباحة ضد التيار، ولكننا على يقين بأن حركة التغيير تبدء بأول إنسان يقول “لا للمعهود”، وبأن الملايين من الشباب المسلم الحيارى في هذا البلد يبحثون عن بعث جديد يعينهم على فهم الواقع لبناء مستقبل مشرق.