نيلوتيك بوست

مفاوضات السلام الإثيوبية وتقاطع المصالح والمحاور

عبد الشكور عبد الصمد
2022-10-29T10:13:41+03:00
قضايا إفريقيةمقالات رأي
alt=
لقاء وفد أمريكي بقيادة وزير الخارجية أنطوي بلينكين مع وفد الاتحاد الإفريقي برئاسة موسى فكي رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي في كندا لمناقشة السلم في إفريقيا والقمة الأمريكية الإفريقية في ديسمبر المقبل

أحيا انطلاق جولة المفاوضات المباشرة لأول مرة بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تغراي في ٢٥ أكتوبر في جنوب إفريقيا برعاية الاتحاد الإفريقي آمالا عريضة لانهاء حرب شارفت عامها الثاني.

ومع تلك الآمال العريضة فإن تعدد وتقاطع مصالح الأطراف المحلية والإقليمية والدولية دات الصلة بالصراع قد يعقد مهام الوسطاء ويبخر تلك الآمال.

يقود المفاوضات لجنة إفريقية ثلاثية، بقيادة الرئيس النيجيري السابق أوباسانجو، وعضوية كل من الرئيس الكيني السابق أوهورو كينياتا، وفومزيلي ملابو نائب رئيس جنوب أفريقيا الأسبق، ومشاركة مراقبين من الأمم المتحدة وأمريكا.

قيادة إفريقية … وموقف أمريكي غير واضح … وتمسك أوروبي بالملف الانساني

الاتحاد الإفريقي يريد حلا ينسجم مع الموقف الرسمي الإثيوبي، ويهتم بسيادة الدولة ورمزيتها، ولا يعني كثيرا بالجوانب الإنسانية التي هي نتيجة جانبية لا فعلا مقصودا، ويرغب في تعزيز دوره لحل القضايا الأفريقية في البيت الأفريقي.

الموقف الأمريكي المعلن من حرب تيغراي واضح منذ البداية. فهو يرفض الحرب ويضغط للجلوس على طاولة المفاوضات لإحلال السلام.

سياسيا هو موقف غامض، في نظرته ومواقفه من أطراف أخرى موجودة في الساحة المحلية كما يراه الكثير، وانتقائي في حساباته بحسب البعض، وانتهازي يخلط الأوراق لحسابات استراتيجية بحسب البعض الآخر.

الموقف الرسمي وقطاع معتبر من الشارع الإثيوبي المحسوب على السلطة يرى أن أمريكا تحابي جبهة تيغراي، وتسعى لإعادتها للسلطة، أو لتجعل منها لاعبا داخليا ينافس المركز ويضعفه حتى لا تمارس إثيوبيا دورا يناسب حجمها ووزنها.

أما الاتحاد الأوربي قد يكون أكثر انسجاما في مواقفه الضاغطة على الحكومة الإثيوبية بحجة انتهاكات حقوق الإنسان والجرائمة المرتكبة ضد المدنيين، وإدانة القوات الإريترية التي يطالبها بمغادرة إثيوبيا، ويمارس ضغوطا سياسية، وأوقف دعمه الاقتصادي لإثيوبيا رغم تأثيره الإنساني.

الأطراف الدولية الأخرى كالصين وروسيا وتركيا حاضرة، بعضها أصواتها خجولة لظروفها الذاتية، وبعضها ينتظر من أصحاب القضية الأصيلين حسم مواقفهم، وأكثر ما يستطيعون تقديمه هو صوتهم في المحافل الدولية، وربما تقديم دعم عسكري بالمقابل المعتاد، وهو مهم، ولكن هل يساهم في الحسم أم يزيده تعقيدا.

المحاور الإقليمية

الإمارات والسعودية

لدول الخليج العربي وخاصة الإمارات دور نشط، خفي ومعلن، في الأحداث الجارية في إثيوبيا، فأبو ظبي من أكبر الداعمين للإثيوبيا، وللعلاقات الإرترية الإثيوبية. والزيارات المتكررة للمبعوث الأمريكي لكل من أبو ظبي والرياض تؤكد ذلك. كما رأينا بالأمس وزير الخارجية الأمريكي يتصل بالشيخ محمد بن زايد ليشاوره مع بعض القادة الأفارقة حول الشأن الإثيوبي.

إرتريا

ظلت العلاقات الإريترية الإثيوبية عدائية لعقدين، وبمجيئ د. أبى أحمد شهدت قفزة نحو التصالح ثم الشراكة، وهو ما اعتبر في إقليم تيغراي وقياداته السياسية استهدفا مباشرا لهم، وذلك ما أكدته تطورات المشهد، الأمر الذي عقد الأوضاع وصولا للحرب وحتى اليوم.

الموقف الإقليمي والدولي وخطابه يدفع إريتريا نحو الثبات على موقفها وعدم تغييره، ولذا سيزداد تعقد المشهد نحو مزيد من الصدام وربما تمدده طالما لم تبق أوراق لدئ الأطراف الأصيلة وشركائها محليا وإقليمياً.

السودان ومصر

السودان المجاور لمصر في شماله وإثيوبيا في جنوبه يتأثر بهما مع تفاوت في المقدار والمجال.

وبخصوص حرب تيغراي يتنازعه موقفان متناقضان بحكم الجوار والإرث السياسي، والظرف الداخلي سياسيا واقتصاديا وأمنيا، فيقف دون حسم موقفه وممارسة دوره. كما أن استحضار التاريخ القريب واختلاط الأوراق عقبات بقدر ما هي رغبات.

مصر تنظر لما يدور في إثيوبيا كحلم جميل يتمنى من يراه طول أمده، ولو أتيحت الفرصة لإطالته لما ترددت، وكل متابع يدرك لماذا وكيف هي كذلك.

وهناك قناعة راسخة في إثيوبيا بدور مصري في الشأن الإثيوبي بصور مختلفة أقلها استخباراتي وإعلامي ولوجستي، وهو أمر تكرر طيلة عقود، ومع مختلف أطياف المعارضة الإثيوبية منذ عهد عبدالناصر، وازدادت وتيرته بعد سد النهضة الإثيوبي.

كينيا

كينيا أتيحت لها الفرصة بأن تستفيد من الوضع في إثيوبيا وتمارس دورا إقليميا، ولذا استقطبت العديد من المنظمات الدولية التي انتقلت إليها من إثيوبيا بحجة عدم الاستقرار والدواعي الأمنية.

وتنظر بعض الأطراف الإثيوبية إلى نيروبي في فترة الرئيس أوهورو كينياتا كانت أداة خلفية للسياسات الضغط الغربية وخاصة الأمريكية على إثيوبيا.

فهل ستكون كينيا “ويليام روتو” مختلفة عن كينيا أوهورو؟ أستبعد ذلك لعدة اعتبارات: منها أن روتو من ذات البيئة، وابن النظام، ولن يحدث تغيير ينتج عنه تغير في التحالفات. كما أن مغريات البقاء في هذا المربع أكثر من مغادرته في القريب العاجل.

خلاصة القول:
هذا هو المشهد إقليميا ودوليا، والمشهد الإثيوبي يتسم بالسيولة السياسية التي يصعب معها توصيفه، ونسبة مؤثرة فيه تدفع لحسم الأمر بالقوة، وتريد الحصول بالتفاوض على ما قد يصعب عليها تحقيقه في ميادين المعركة لاعتبرات مختلفة. بينما قيادة جبهة تيغراي ترى أنها لن تخسر بالتفاوض ما حققته على الأرض، ونَفَسُها أطول لإطالة أمد الحرب وبتكتيكات متنوعة.