أثارت تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد مؤخرًا حول سعي بلاده الحصول على منفذ سيادي على البحر الأحمر العديد من ردود الفعل والكثير من الأخبار المزيفة والتحليلات المبالغ فيها حول نوايا إثيوبيا.
وفي هذا المقال نحاول الإجابة على بعض الأسئلة الأكثر شيوعاً حول هذه المسألة من أجل توضيحها من وجهة نظر إثيوبيا، ولكم حق الرد والاستفسار أو التوضيح والتحفظ.
في المقام الأول … كيف أصبحت إثيوبيا دولة حبيسة؟
أصبحت إثيوبيا دولة حبيسة بعد أن صوت سكان إقليم إريتريا التابع لها لصالح الاستقلال في ١٩٩٣ بعد صراع انفصالي استمر ثلاثة عقود.
و كانت ارتريا ضُمت إلى اثيوبيا في اتحاد فيدرالي بقرار من الأمم المتحدة في ١٩٥٢. وفي ١٩٦٢ ومع ظهور بوادر التمرد في ارتريا ألغى إمبراطور إثيوبيا هيلاسيلاسي ترتيبات الحكم الفيدرالي ، مما اجج مشاعر التمرد والانفصال في ارتريا.
ومع احترامنا الشديد لشهداء الثورة الإرترية وحق الشعب الإرتري في تقرير مصيره، إلا أن سياقات الثورة الارترية وما تلاها من الاستقلال كانت نتيجة مباشرة من نتائج الحرب الباردة التي انتهت بتفكيك الكتلة الشرقية ومن دار في فلكها، ومنها إثيوبيا بقيادة منغيستو هيلاماريام.
وتاريخيا كانت سواحل إريتريا تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية ثم إيطاليا، قبل ضمها إلى اثيوبيا من قبل الأمم المتحدة.
وارتبطت ارتريا مع بالحبشة التاريخية ( شمال إثيوبيا ) عبر التاريخ اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وتاريخيا وثقافيا.
كيف تتاجر إثيوبيا كدولة حبيسة مع بقية العالم؟
حاليًا ٩٥٪ من التجارة الدولية لإثيوبيا تتم عبر ميناء جيبوتي. وقامت الصين ببناء خط السكة الحديد كهربائي بين جيبوتي وأديس أبابا ، لتحسين هذا الممر الحيوي الذي يعتبر شريان الحياة لإثيوبيا لبقية العالم. كما يوجد خط دولي يربط ميناء جيبوتي بالعمق الاثيوبي.
ويواجه الاقتصاد الإثيوبي تحديات استراتيجية وعملياتية ناشئة من الاعتماد على ميناء جيبوتي، مما دفع أديس أبابا في السنوات الأخيرة الى تبني سياسة تنويع الموانئ، بدل الاعتماد على ميناء جيبوتي فقط.
وتمثل موانئ الدول المجاورة مثل ميناء لامو على المحيط الهندي في كينيا لخدمة جنوب إثيوبيا و ميناء بربرة في أرض الصومال لخدمة مناطق شرق البلاد وميناء بورت سودان لخدمة مناطق شمال اثيوبيا بدائل يمكن الاستفادة منها.
ومع وجود هذه الخيارات نظريا إلا ان تفعيلها عمليا وجدوها الاقتصادية مازالت محل دراسة نظرا لبعد هذه الموانئ عن وسط البلاد.
و تبقى موانئ ارتريا وخاصة ميناء عصب المنفذ الطبيعي والأقرب إلى العمق الاثيوبي والمناسب جغرافيا والأقرب إليها تاريخيا واجتماعيا وسياسيا.
لماذا تريد إثيوبيا ميناءا خاصا بها ؟
يعود ذلك إلى عدة أسباب اقتصادية وأخرى استراتيجية تتعلق بالأمن القومي.
فاقتصاديا تقدر الرسوم التي تدفعها إثيوبيا لجيبوتي كل عام، بـ 2 مليار دولار، ويشكل هذا المبلغ حوالي ١٣.٦٪ من ميزانية اثيوبيا لعام ٢٠٢٤ والتي تبلغ حوالي ١٤.٧ مليار دولار.
وعمليا شكل هذا عبئا متصاعدا على ميزانية الدولة، خاصة مع النمو الاقتصادي والسكاني.
فعندما فقدان اثيوبيا لمنفذها البحري قبل ثلاثة عقود كان عدد سكانها لا يزيد عن ٤٠ مليون ، كما ان الحجم تجارتها الدولية حينها لا يزيد عن ٥٠٠ مليون دولار، ولكن مع النمو السكاني الذي بلغ ١٢٠ مليون نسمة والنمو الاقتصادي الكبير الذي زاد عن ٧٠ مليار دولار فإن الواقع الفعلي أثبت وجود ضغوط اقتصادية هائلة وفاتورة ضخمة تتصاعد سنويا لا يمكن التعايش معها.
ويشير خبراء الأمم المتحدة أن إثيوبيا واحدة من الدول التسعة التي يتركز فيها النمو السكاني و من المتوقع أن يصل إلى ١٥٠ مليونً نسمة بحلول ٢٠٣٩ و إلى ٢٠٠ مليون بحلول عام ٢٠٥٠.
وإذا لم يتسع نموها الاقتصادي وفقًا للنمو السكاني، سيؤدي ذلك إلى مشكلات اجتماعية قد ينتج عنها نزوح جماعي والمزيد من الصراعات الداخلية التي تزعزع استقرار القرن الأفريقي.
وعلى مستوى الأمن القومي فإن التفاعلات الدولية والإقليمية حولت سواحل البحر الأحمر التي تقع على مرمى حجر من حدود إثيوبيا إلى منطقة صراع على النفوذ حيث تحتفظ القوى الدولية بقواعد عسكرية في جيبوتي وعلى طول سواحل البحر .
وترى اثيوبيا ان اي صراع في المنطقة يؤثر مباشرة على تواصلها مع وان اي تحرك معادي لإثيوبيا يوهو مالا يمكن التنبئ به
لذا فإن من ضروريات الامن القومي لاثيوبيا ان تحصل على ضمانات سيادية تضمن لها حرية الحركة الاستفقدان اي ومن دون إعادة التفاوض على هذه الشروط أو الوصول بشكل أفضل إلى ميناء آخر،
كيف يساعد حصول إثيوبيا على منفذ بحري خاص في التخفيف من التحديات الاقتصادية والأخطار المحدقة بالأمن القومي؟
إن استعادة اثيوبيا الوصول المباشر والكامل وغير المقيد إلى ميناء على البحر الأحمر من شأنه أن يخفف فورا الأعباء الاقتصادية التي الذي يتحملها الاقتصاد الاثيوبي جراء رسوم الترانزيت الباهظة التي تفرضها جيبوتي حاليًا. وهي أعباء تحد من نمو حجم التجارة الدولية لإثيوبيا، وبالتالي تمكينها من تحقيق نمو اقتصادي أكثر سرعة من الاختراق الذي ذي قبل.
وسيتبع ذلك المزيد من برامج التوظيف والتنمية والدعم لشريحة واسعة من السكان وهو يقلل من فرص حدوث نزوح جماعي والمزيد من الصراع الداخلي. والهجرات غير الشرعية وبالتالي ضمان استقرار منطقة القرن الأفريقي.
وفي ظل وضع دولي وإقليمي شديد التقلب، ولا يمكن التنبؤ بما تصحوا عليه صباح الغد، فإن من حق دولة مثل إثيوبيا تأوي ١٢٠ مليون نسمة البحث عن موطئ قدم على البحر لتحمي وجودها وتحفاظ على أمنها القومي عبر المساهمة في تحقيق الاستقرار والامن في البحار وتؤمن تدفق السلع والبضائع من وإلى الأسواق العالمية.