قبل أسابيع صدر بيانين من المجلس الأعلى للشؤن الإسلامية في إثيوبيا يوضح تفاصيل لقاءات عقدتها قيادة المجلس مع جهات حكومية عليا.
اللقاء الأول كان مع وزير الخارجية الإثيوبي الجديد ثيموس غيديون بينما الثاني مع إدارة العاصمة أديس أبابا.
وتحدث البيانين عن متابعات لبعض الملفات مع وزارة الخارجية و ادارة العاصمة فيما يخص الحصول على أراضي استثمارية وأخرى للمساجد.
قضايا دبلوماسية بعباءة دينية
ولكن ما لفت نظرنا في البيانين بعض القضايا والمطالب السياسية والطرح الطائفي لقضايا العدالة والمساواة ذات البعد المدني والوطني المقدمة من جهة دينية تمثل عموم مسلمي اثيوبي، ومن ذلك:
١- طلب المجلس من وزير الخارجية العمل على انضمام إثيوبيا إلى جامعة الدول العربية.
فالجامعة العربية هي منظمة سياسية قومية لها اهدافها السياسية، ولم نسمع يوما انها دعمت قضية دينية، والمجلس الإسلامي المفترض أنه مؤسسة دينية شعبية تسعى لخدمة القضايا الدينية.
فما هي العلاقة بين المجلس الديني والجامعة السياسية القومية، ومن الذي حول دور المجلس إلى ” سمسار سياسي” باسم مسلمي إثيوبيا حتى يسعى لادخال اثيوبيا في جامعة الدول العربية.
٢- أثار المجلس مع وزير الخارجية قضية تعيينات السفراء وطالب بضمانات لتمثيل المسلمين في تلك التعيينات.
مسألة العدالة والتمثيل المتوازن لفئات المجتمع في الخدمة المدنية والتمثيل الدبلوماسي هي مسألة مدنية بحتة، ويجب ان تتم حسب معايير الكفاءة والاعتبارات السياسية والمدنية، وتدخل المجلس يحول الأمر إلى مسألة للمحاصصة الطائفية.
وأخطر ما في الأمر ان يعتقد المسلمون انهم يستحقون التعيينات فقط لأنهم مسلمون ولأنهم يلبسون العمة والجلابيب.
٣- كما طالب المجلس أيضا بتعيين دبلوماسيين لتسيير شؤن الحج والعمرة. وهنا يبدو أن المجلس غائب أو مغيب عن التنظيم الجديد للحج والعمرة.
الحج والعمرة … ومساعي لتكريس المحسوبية
فحسب سياسات السعودية الحج والعمرة سياحة دينية تتم عبر آليات شركات خدمية، ولا مكان فيها للبعثات الرسمية التي اثقلت كاهل الحجاج لعقود بممارساتها الفاسدة والمحسوبية، والمجلس الإسلامي في إثيوبيا وبقيادته الحالية ذات البعد الحركي ليس ببعيد عن ذلك الفساد والمحسوبية.
فالمطالبة بتعيين دبلوماسيين لتسيير شؤن الحج مسلك عفى عليه الزمن إجرائيا، ومن الناحية السياسية فيه تدخل مباشر من الدولة في شؤن الدين، وهو ما ظلت تيارات الإسلام الحركي التي تسيطر على المجلس اليوم تطالب به قبل أن ترتد على أعقابها بعد الوصول للسلطة.
وفي اطار تفكيره الطائفي، فهل يقترح المجلس الإسلامي تعين دبلوماسيين لتسيير شؤن حجاج المسيحيين الإثيوبيين إلى القدس، وموظفا لتسيير حجاج مزارات المسلمين في الداخل! ووزيرا لتنظيم شؤن طقوس الموحدين الأورومو ” واقيفاتا”
وفي لقائه مع إدارة العاصمة أديس أبابا طالب المجلس الإسلامي بتعيينات خاصة بالمسلمين في ادارة العاصمة.
ورغم ضرورة مراعات التعيينات المدنية للتمثيل العادل فيجب أن لا تتحول إلى محاصصة دينية وطائفية يطالب فيها اصحاب كل دين وطائفة بحصة من الدولة.
وأخطر ما في الأمر ان التيار الحركي الذي يقود المجلس حاليا يكرس لدى جمهور المسلمين استحقاقات معينة فقط لانهم مسلمون ولأنهم معممون أو يلبسون زيا الحلابيب .
خلل في تصور الدور والصلاحيات
للأسف الكبير النخب الإسلامية وخاصة ذات البعد الحركي تعاني من خلل كبير في تصورها ، وهذا الخلل نابع من تأثير توجهات الإسلام الحركي على القيادة الحالية التي ترى في المجلس واجهة دينية لأهداف سياسية.
وقد بدى ذلك جليا من انشطة منظمة الشباب المسلم التي تم تأسيسها مؤخرا تحت راية المجلس وتصريحات قياداتها الحماسية التي توضح بكل جلاء تحويل المجلس إلى اداة للصراع السياسي والتنافس الاقتصادي والاستقطاب الديني في البلاد.
هذا المنحى من الفكر والسلوك الانتهازي، والخلط بين الديني والسياسي وتقمص الأدوار كيفما كان، فيه خطورة كبيرة على مبدء علمانية الدولة، وعلى المسلمين أنفسهم، حيث حولهم التيار الحركي إلى كتلة مؤدلجة لا تفكر إلا في اطار الأجندات الدينية والمحاصصة الطائفية وليس لها أجندة وطنية مدنية تتفاعل من خلالها مع الفئات الأخرى على قدم المساواة.
المجلس الإسلامي الإثيوبي مؤسسة دينية وطنية تمثل عموم مسلمي إثيوبيا في الشؤن الدينية، ويجب عليها تسخير جهودها في تطوير الخدمات الدينية للمسلمين، وليس البحث عن ادوار سياسية تقود البلاد والعباد إلى المهالك بسبب تسييس الدين.