في سبعينات القرن الماضي حرّضت مصر الناصرية الصومال على الدخول في حرب مع إثيوبيا تحت دعوى تحقيق الصومال الكبرى على غرار وًَهم الوحدة العربية الكبرى .
هزيمة نظام زياد بري في تلك الحرب أحدثت نكسة اجتماعية ونفسية لدى الجيش الصومالي وأدّت إلى انهيار نظام زياد بري ودخول الصومال في أتون حرب أهلية أنهت الصومال كدولة، وأبقته كيانا هشا تتنازعه الصراعات الداخلية وصراع النفوذ وحرب الوكالات الإقليمية.
واليوم وبعد فشل مصر في إدارة ملف #سد_النهضة الذي اكتمل عمليا تلجأ القاهرة إلى تحقيق تدخل هامشي في الصومال تحت مظلة الاتحاد الإفريقي، وبدعوى دعم وحدة الصومال وسيادته وأمنه.
سؤال: أين كانت القاهرة قرابة عقدين من الزمان عندما يصارع شعب الصومال وشعوب المنطقة الارهاب الدولي الذي ضرب انيابه في الصومال ومنها أراد التمدد إلى دول الجوار؟!
فلولا جهود دول جوار الصومال وخاصة إثيوبيا وجيبوتي وكينيا وأوغندا لتحوّل القرن الإفريقي إلى مرتع من مراتع داعش في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
إن دعم مصر لحكومة #مقديشو برئاسة حسن شيخ محمد المعروف بارتباطه التاريخيّ بالمحاكم الإسلامية وما نتج عنها من حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، وظل يتحرك طوال تاريخه السياسي في اطار حروب الوكالات، يأتي الدعم المصري متسقا مع رؤية مصر التاريخية للقرن الإفريقي ” مربع أمنيا” يجب إبقاؤه في أتون الصراعات البينية والاقليمية وخاصة إثيوبيا حتى لا تمثل منافسا استراتيجيا.
وُيسهِل على مصر هذا التحرك التاريخي والسلبي التنوع العرقي والثقافي والديني اللامتناهي في المنطقة مما يسهل للقاهرة اللعب على التناقضات.
ومن أراد البحث في ذلك تكفيه عودة سريعة إلى أرشيف الحرب الباردة والأدوار التي لعبتها مصر في المنطقة في القرن الماضي.
وقد ظهر ذلك جليا في الاجتماع العلني الشهير خلال فترة حكم الرئيس محمد مرسي الذي أعلنت فيه النخب السياسية هذه العقيدة على الملأ.
اليوم ومع نجاح اثيوبيا في استكمال سد النهضة والانتقال إلى إلى ملف استراتيجي جديد يتمثل في ضمان الوصول إلى البحر الأحمر عبر السبل السلمية والمشروعة تلجأ مصر إلى التدخل سلبيا في الصومال وتحويله إلى ساحة لتصفية الحسابات مع اثيوبيا وكل من لم يوافقها في رؤيتها للمنطقة.
وفي هذا الصدد تعمل الآلة الإعلامية المصرية المباشرة والضمنية على تحريض شعوب المنطقة على بعضها، فتحرض الحكومة القبلية في مقديشو على أرض الصومال التي قررت البحث عن مستقلها الخاص منذ فشل خيار الصومال الكبرى، وعلى اثيوبيا عبر إثارة التعقيدات التاريخية لاقليم الصومال الاثيوبي.
اثيوبيا كدولة عريقة لديها من القدرات العسكرية والأمنية ومعرفة بتفاصيل الجغرافيا السياسية والاجتماعية وتراكمات الخبرة التاريخية في التعامل مع التحركات المصرية الخفية وسياستها في الضرب تحت الحزام، ولا تحتاج أديس أبابا إلى طائرات ولا بواخر لنقل الجنود والمعدات، هي موجودة بطبيعة الحال والمآل، ولا تقول إلا ” حي الله من جاءنا”
ما يحزنا هو اختيار قيادة مقديشو تحويل بلادها إلى ميدان لتصفية الحسابات الإقليمية ولعب دور الحرب بالوكالة، فسهلوا ضرب القوات الإماراتية في مقديشو، و استدعوا مصر ووضعوها وجها لوجه مع اثيوبيا في ديارهم، وسلموا كل بحارهم للأتراك وفتحوا أبوابهم لديناصور القرن الإفريقي، فحولوا بلادهم إلى ميدان لصراع الصغار والكبار على النفوذ.
في هذه المعدلة فإن الخاسر الأول والأخير هو شعب الصومال بكل أطيافه وانتماءاته لأنه يكون في فوهة المدفع من كل الجوانب.
فأهل أرض الصومال مصممون على الحفاظ على مكتسباتهم بأي ثمن واقليم الصومال الإثيوبي ومن خلفه جنوب شرق اثيوبيا يكفون .
إن أي لعب بالنار في الصومال سيجعل من مقديشو وضيوفها الجدد من بشوات النيل لقمة صائغة لحركة الشباب ومن يدور في فلكها، ولكل من يبحث عن أسماك النيل.
فهل يدرك الإخوة في مسافة السكة ما هم بصدده!؟
وهل يعي شعب الصومال ما يراد له!؟
نعيش ونشوف.