ماهي أبعاد وتداعيات تصريحات بطريرك الكنيسة الأورثوذكسية الإثيوبية حول أزمة تيغراي

تصريحات بهذا الوضوح ومن شخصية بهذه الدرجة لها دلالات خطيرة، من ناحية التوقيت ومن حيث الأزمات المحيطة بالبلاد داخليا وخارجيا، وربما يحمل مستوى التوتر في البلاد إلى مستوى آخر وغير مسبوق.

د. أحمد هيراد10 مايو 2021آخر تحديث :
أبونا ماثياس، بيطريرك الكنيسة الأورثوذكسية الإثيوبية
أبونا ماثياس، بيطريرك الكنيسة الأورثوذكسية الإثيوبية
د. أحمد هراد

ظهر بطريرك الكنيسة الإرثوذكسية الإثيوبية أبونا ماثياس للمرة الأولى للعلن بعد ستة أشهر من بداية أزمة تيغراي، عبر مقطع فيديو لمدة ربع ساعة تقريبا، تحدث فيه عن الأزمة والمآسي التي يتعرض لها مواطنو الإقليم.

قام بتصوير المقطع الأميركي دنيس وادلي رئيس منظمة جسور الأمل الدولية ، و تربطه بالبطريرك علاقة شخصية.

في بداية حديثه، تطرق البطريرك للتعتيم الإعلامي الذي يتعرض له  شخصيا، والرقابة الإعلامية على مقابلاته وبياناته طوال فترة الأزمة، حيث أكد إجراء عدة مقابلات مع الإعلام المحلي طوال الأزمة، ولم تنشر بسبب الرقابة .

وصف البطريرك ما يحدث حاليا في إثيوبيا عموما وفي إقليم تيغراي بأنه “عمل غير المؤمنين”، كما تطرق  للصعوبات التي يلاقيها الناس في الأقاليم الأخرى.

البطريرك: أتعرض للتعتيم الإعلامي، ومن يقومون بالانتهاكات في تيغراي لا يخافون الخالق

وشدد على  أن الجزء الأكبر من تلك الصعاب من نصيب تيغراي التي تعرض الكثير من أبنائها الأبرياء للقتل والتصفية على الهوية، بالإضافة لعمليات الاغتصاب وهدم البيوت والكنائس والسلب والنهب على نطاق واسع، ومنع السكان من الزراعة.

واعتبر من يقومون بهذه الأعمال ليس لديهم مخافة من الخالق أو احترام لكرامة الإنسان، حسب ما ورد في المقطع الذي اجتاج وسائل التواصل الاجتماعي.

تاريخ مليئ بالتحديات

البطريرك أبونا ماثياس، (الاسم الأصلي تيكلاهايمانوت أسرات) ولد في ١٩٤١ في منطقة أغامي في تيغراي ودخل في سلك الرهبنة والكهنوت في عام ١٩٦٣ ودرس في كاتدرائية الثالوث المقدس في أديس أبابا طوال السبعينات.

في أوائل الثمانينيات، تصادم مع نظام الدرغ الشيوعي ( ١٩٧٤-١٩٩١ ) بقيادة منغيستو هيلاماريم، وتم نفيه ، حيث استقر في الولايات المتحدة حتى سقوط نظام الدرغ بداية التسعينات. تم اختياره البطريرك السادس للكنيسة الإرثوذكسية الإثيوبية في ٢٠١٣ بعد وفاة البطريريك السابق أبونا باولوس.

تاريخ أبونا ماثياس ومواقفه القوية ضد نظام الدرغ الشمولي والقمعي قد تفتح له الباب من جديد لممارسة السياسة بشكل أكبر، خصوصا أن إقامته في الولايات المتحدة لفترة ليست بالقصيرة جعلته على صلة وثيقة مع الدوائر الغربية المهتمة بالشأن الإثيوبي، مما قد يفسر التطابق الغريب بين توقيت خروج بيان البطريريك الأخير مع مانشيتات الصحافة الغربية، وأيضا مناشدته الأخيرة لمجلس الكنائس العالمي وللعالم أجمع بضرورة تقديم الدعم لسكان تيغراي.

الأبعاد السياسية لتصريحات البطريرك

تصريح بهذا الشكل ومن شخصية مهمة في البلاد له دلالات خطيرة داخليا وحارجيا،  من ناحية التوقيت، ومن حيث الأزمات المحيطة بالبلاد داخليا وخارجيا، وربما يحمل مستوى التوتر في البلاد إلى مستوى آخر وغير مسبوق. 

 خصوصا أن البيان من جهة التي طالما اُعتُبرت أنها العمود الفقري لتكوين الدولة في إثيوبيا والحبشة قديما، وطالما حاول الملوك والأباطرة إبراز ولائهم للكنيسة الأرثوذكسية حتى تستقر أحوال مملكتهم وشؤون رعاياهم.

من الناحية الأخرى موقع الكنيسة الإثيوبية تراجع بشكل كبير مع سقوط النظام الملكي في عام ١٩٧٤، ولم تعد تلك العلاقة العضوية بين الدولة والكنيسة ضرورية لتثبيت أركان الحكم.

 و يرى البعض أن للبطريرك الحق في متابعة شؤون رعيته من المسيحيين الأورثوذكس وهو عين ما اقتصر عليه خطابه.

داخليا، قد يعيد التصريح أجواء الصدام بين الكنيسة والدولة مثلما حدث في الثمانينات، مما يعني فقدان الحكومة دعم مراكز القوى في الشمال، حيث يتركز المسيحيون الإرثوذكس. 

ومن ناحية أخرى قد يكون للتصريح وقع أكبر في داخل الكنيسة نفسها، وقد يحدث شقاق داخليا، لأخذ أزمة تيغراي منحى الاحتكاك بين نخب الأمهرة والتيغراي، وهما الغالبية العظمى من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية.

تصريحات البطريرك قد تعيد أجواء الصدام بين الكنيسة والدولة مثلما حدث في الثمانينات، وقد يكون لها وقع أكبر في داخل الكنيسة نفسها

في الدوائر العالمية، قد يفهم من تصريح البطريرك أن حرب تيغراي ليست محل إجماع وتوافق وطني. كما تضع وعود الإصلاح وإعادة الحريات للشعب الإثيوبي موضع تساؤل، ويدعم الحملة التي تشنها بعض الدوائر الغربية ضد الحكومة الإثيوبية، وهو ماقد يزيد المتاعب والمشاكل لحكومة آبي أحمد.

عوامل الاحتقان الديني في إثيوبيا

وبالإضافة للتوتر الإثني الذي يضرب بأطنابه على خطوط التماس بين القوميات المختلفة، تعيش إثيوبيا أجواء مشحونة دينيا منذ فترة ليست بالقصيرة.

وتصاعدت حدة الشحن الطائفي منذ التغيير السياسي في ٢٠١٨ لتصل إلى مستوى حرق المساجد والكنائس ودور العبادة والقتل الجماعي في مناطق متفرقة من البلاد، كما دونتها سجلات الدولة الفيدرالية وتقارير الحريات الدينية.

وفيما يلي بعض أسباب الاحتقان الديني في إثيوبيا:

١- عمليات التبشير والدعوة، والتي أصبحت تثير الاحتكاكات كما يراها البعض، فممارسات التبشير الاستفزاز في الكثير من الشوارع في المدن والقرى الإثيوبية التي ترفع فيها المكبرات في الحافلات وأمام دور عبادة الآخر، إضافة لمنع المرور وحرية تنقل العامة في الشوارع خلال المسيرات والاحتفالات الدينية، والانتقاد السلبي للأديان الآخرى.

٢- انحسار التسامح، مقابل تمدد أفكار التطرف التي لا تعترف بالآخر، واستخدام سرديات دينية متطرفة و غير متسقة مع الدستور والنظام العلماني للدولة. فالمسيحيون الأرثوذكس قاموا بنشر فكرة أن إثيوبيا جزيرة مسيحية في حين أن بعض المسلمين لجأوا لسردية المظلومية التاريخية التي تعرض لها المسلمون في الماضي مع استخدام لغة وتعابير ملتهبة.

٣- تسييس المناسبات والشعائر الدينية، فأصبحت الأعياد والاحتفالات الدينية وأماكن إقامتها سببا لأزمة طارئة بين الطوائف، وانتهى بعضها بالعنف أو بالإلغاء في كثير من الأحيان، وحادثة احتجاج الكنيسة الأرثوذكسية الأخير بخصوص إقامة مائدة إفطار جماعي في الميدان ن العاصمة أديس أبابا مثال حي لحجم الاحتقان واختفاء لغة التسامح بين الأطياف الدينية.

من عوامل الاحتقان الديني في إثيوبيا: انحسار التسامح الديني مقابل تمدد أفكار التطرف، والدعوة والتبشير الاستفزازي، وتسييس المناسبات الدينية

٤- توزيع ومنح الأراضي لبناء دور العبادة، وهي محل نزاع بين أصحاب الديانات المختلفة.

٥- عدم قدرة الدولة على تطبيق وإنفاذ القانون والمواد والبنود الدستورية التي تؤمن حقوق المواطنين  على أرض الواقع، بسبب مراعاة التوازنات السياسية والاجتماعية.

جهود متواضعة لمواجهة أزمة متفاقمة

على الرغم من هذه التحديات الكبيرة والشروخ التي تتعاظم داخل النسيج الاجتماعي في إثيوبيا، نجد أن الدولة طرحت مبادرات وقامت بتشكيل هيئات للمصالحة بين الفئات والطوائف الإثيوبية المختلفة خصوصا بعد استلام الدكتور آبي أحمد لزمام السلطة في البلاد.

لكن تلك المبادرات لم ترق حتى الآن ،عمليا، لمستوى حل تلك الأزمات المزمنة والمتكررة، ربما لصعوبة المشهد السياسي الإثيوبي وتزايد تعقيداته، نظرا لتداخل خيوط الأزمات الداخلية والخارجية والتي لا توفر البيئة الهادئة والصالحة لحل هذه الأزمات في جو إيجابي ومتفائل.

وقد تكون ورقة ضغط جيدة للاعبين دوليين يسعون للمساهمة في تشكيل دولة إثيوبية تتوافق مع مصالحهم، وهو ما يجعل سلامة النسيج الاجتماعي الإثيوبي تحت رحمة شبكة المصالح الدولية، كما هو الوضع في فسيفساء لبنان التي أصبحت لوحة غير متناسقة.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق