من النقاب إلى القات : كيف سيطر “خطاب التحريم والتكفير ” على التيار السلفي في إثيوبيا

نورالدين عبدا24 أكتوبر 2023آخر تحديث :
من النقاب إلى القات : كيف سيطر “خطاب التحريم والتكفير ” على التيار السلفي في إثيوبيا

يدور هذه الأيام بين التيارات السلفية في إثيوبيا جدل كبير حول حرمة نبتة القات وحلها.

ففريق يقول بحرمته قطعا، بقيادة الشيخ علي جما، وذلك اعتمادا على فتاوى التيار السلفي المعروفة بتحريم كل شئ بناءا على مرجعيات تراثية وبعيدا عن النص الإلهي الذي ينص على ان التحريم هي سلطة الله وحده.

قال تعالى وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ الأنعام :

وآخرون، بقيادة الشيخ موسى سؤالا، من منطقة هرر المشهورة بزراعة القات وتجارته يقولون بحله، لأنه ( القات ) من عموم الحلال كالقهوة والشاي وغيرها من المنبهات المنتشرة في انحاء المعمورة الطبيعية منها مثل التنبول في جنوب آسيا والغورو في غرب إفريقيا، أو الصناعية مثل ريدبول و مونيستير.

وتنظيم الحلال بالمنع والترخيص والترتيب هو من سلطة الدولة، وليس من سلطة رجال الدين ونشطاء التيارات والطوائف، الذين يجب أن يقتصر دورهم على التوجيه والاصلاح الاجتماعي.

ويسعى علماء وشيوخ التيار السلفي الى احتواء الخلافات بين شيوخ ونشطاء التحريم والتحليل حول المسألة.

ولجأت القيادات الدينية إلى الدعوة للتوقف عن الجدال والخلاف حول هذه المسألة وغيرها من الحلال والحرام الحركي التي قسمت التيار الحركي على الخط الجهوي والمناطقي والسياسي.

ولم يتمكن علماء التيار السلفي من حسم الخلاف بمنع تيار التحريم والتكفير الذي يسيطر على خطاب التيار السلفي من التوقف عن التدخل في سلطة الله واعلان التحريم بناءا على القياس والقواعد الفقيهية وأقوال الأئمة.

وذلك لأن المرجعية الفكرية التي يعتمد عليها نشطاء التحريم والتكفير هي نفس المرجعيات التي تمت تربيتها عليهم من قبل علماء التيار.

كما أن شحن المجتمعات المسلمة في إثيوبيا بأفكار التشدد وإقصاء كل مخالف بلغ مداه خلال العقود الماضية وأصبح زمام المبادرة في أيدي نشطاء التحريم والتحليل الذين سحبوا البساط من تحت أقدام العلماء وبالتالي لا يستطيعو حتى كبار العلماء الا مجاراتهم ومجاملتهم مخافة تأليب العامة عليهم.

النقاب … وتعنيف الأستاذ كامل شمسو

وفي نفس الاطار جاءت خلال الأسابيع الماضية ردود فعل عنيفة من قبل تيار التشدد المدفوع بأجندات سياسية على تعليق الأستاذ كامل شمسو، العضو في البرلمان الإثيوبي والناشط الإسلامي في لقاء على احدى القنوات على قضية النقاب، حيث ذكر الخلاف المعروف بين السلفيين في المسألة.

وفي تلك القضية أيضا لم يتمكن علماء التيار السلفي من توضيح الموقف بجلاء والرد على دعاة وجوب النقاب الذين أساؤا للأستاذ كامل وحرضوا ضده الرأي العام الاسلامي في البلاد.

فتعليقات العلماء واهل الفتوى لم تكن اكثر من المواربة والمجاملة للمتشددين داخل تلك التيارات.

ومن هنا يتضح بكل وضوح أزمة الفكر التي تواجه الخطاب الديني الذي يسيطر عليه التيار السلفي في إثيوبيا حيث أن زمام المبادرة هي للعناصر المتشددة التي تحشد الجماهير بخطاب شعبوي.

أما العلماء والنشطاء الحركيين الذين يعون الواقع المعقد ويدعون للتوسط والتخفيف من التشدد السلفي لا يستطيعون مواجهة موجات التشدد والتكفير التي عمل الجميع على تغذيتها بعلم او جهل خلا العقود الماضية بدعوى الصحوة والدعوة.

سيطرة خطاب التضليل والتفكير

وخلال الفترة الماضية دخلت شخصيا في حوارات فكرية ودينية مع نشطاء وطلاب التيارات الاسلامية في بلدنا على مجموعات التواصل الاجتماعي التي يتداولون فيها المعهود من فقه التيار والتراث.

وكان هدفي من إثارة العديد من المسائل الدينية والفكرية في تلك الحوارات، البحث عن مساحة مشتركة من الفهم تجمع بين “العقل والنقل “ لتأسيس فهم عصري يساعد مجتمعاتنا على الانفكاك من القيود الفكرية التي كبلت مجتمعاتنا من الانطلاق نحو المستقبل.

لكني وللأسف اكتشفت أن الحوار مع التيارات الاسلامية في بلادنا شبه محال، نظرا لسيطرة فكر التشدد والتكفير والإقصاء الذي يضلل كل من خالفه في فهم النصوص والتراث.

والأدهى والأمر هو سكوت طبقة العلماء والمؤسسة الدينية على انتشار خطاب الكراهية بين شباب العلم والوعاظ بدعوى الدفاع عن الاسلام والعلماء.

ووصل الأمر في تلك الحوارات الى قيام عدد من طلاب التيار والنشطاء والوعاظ بتكفيري شخصيا وفي حضرة العلماء والمفتين وخاصة في المجموعة التي تسمى بمركز أوروميا للافتاء.

وفي هذا الصدد نود الإشارة إلى ما نشره د. محمود العروسي من تحريم الأناشيد بمناسبة وفاة الأستاذ أكرم العروسي، وما قام به د.كمال غلتو مفتي أوروميا، من استحسان كلامه، وما تبع ذلك من ردنا على كل ذلك في مقالتنا: لا لترويج الفتاوى المتشددة على اكفان #وفاة_أكرم_العروسي

الطريق إلى الأمام

خطاب التضليل والتكفير ما هو الا خطاب عاجز، يعبر عن عجزه في الاقناع بالحجة والدليل العقلي والعلمي ، فيلجأ الى التضليل بهدف الشيطنة والاقصاء.

واليوم اصبح هذا الخطاب هو الذي يسيطر على الساحة وبين التيارات السلفية والحركية في إثيوبيا، والعلماء لاقبل لهم به لأنهم هيئوا له الأرضية الخصبة بنشر الفتاوى والأفكار التراثية التي تدعوا للاقصاء والكراهية وعدم التعايش.

لذا نهيب بالمؤسسة الدينية ممثلة في المجلس الأعلى للشؤن الإسلامية وفروعه في الولايات العمل على ضبط تيار التشدد والتكفير بوضع رقابة صارمة على التدريس والوعظ الديني.

كما ندعو العلماء واصحاب الفتوى من العلماء عدم مجارات تيار التكفير والتحريم ومجاملة خطاب التشدد الذي يدعي الدفاع عن الاسلام والعلماء، لأن عاقبة انتشار التكفير ستكون وخيمة على الجميع.

وبهذا المناسبة ندعوا قيادات التيار السلفي وعلماءه القيام بمراجعات فكرية لوضع حد لخطاب التشدد والإقصاء، والاعلان عن موقف واضح يتماشى مع وسطية الاسلام ورحمته في جميع القضايا الدينية والاجتماعية آخذين في الاعتبار طبيعة التعدد اللامتناهي الذي يميز بلادنا.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق