معركة عدوا: بين الرمزية الوطنية وصراع الروايات التاريخية

هل يتمكن الإثيوبيون النظر إلى ماضيهم، فقط، بقدر ما يدفعهم إلى المستقبل، أم أنهم سيبقون حبيسي التاريخ، لتتجدد صراعاتهم حول التماثيل والرموز التاريخية كل ما دار عليها الحول.

إدارة الأخبار والتقارير3 مارس 2023آخر تحديث : منذ 11 شهر
إدارة الأخبار والتقارير
تحليلات صحفية
Ad Space
معركة عدوا: بين الرمزية الوطنية وصراع الروايات التاريخية

مع احتفال إثيوبيا، في ٢ مارس، بالذكرى ١٢٧ لمعركة عدوا، التي انتصرت فيها على إيطاليا، تجدد الجدل والصراع حول الروايات التاريخية للمعركة وقياداتها العسكرية والسياسية والدينية.

فرغم ما تمثله معركة عدوا من رمزية وطنية وإفريقية إلا أنها باتت تمثل، منذ سنوات، إحدى محطات الصراع بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية والدينية حول الروايات التاريخية لتكوين إثيوبيا الحديثة والهوية الوطنية لدولة يزيد سكانها عن ١٢٠ نسمة وينتمون لعشرات الإثنيات والقوميات.

واتسمت احتفالات هذه السنة بتعزيز البعد الرسمي، حيث تم اسنادها الى الجيش الإثيوبي باعتبار انتصارات عدوا نصرا عسكريا، مع تقييد الاحتفالات الشعبية التي حولتها التيارات اليمينية ذات القاعدة المسيحية والأمهرية إلى مهرجانات سياسية للتأكيد على سرديتها الأحادية للدولة والمجتمع، ومناسبة لمهاجمة حكومة آبي أحمد وسياساتها .

الامبراطور منليك الثاني: محور الجدل حيا وميتا

ووسط اجراءات أمنية مشددة، ومنع العروض الشعبية حول ميدان منليك الثاني، قامت رئيسة الدولة سهل وورق زودي بوضع أكاليل الزهور على تمثال الإمبراطور منليك الثاتي الواقع في المدينة القديمة شمالي العاصمة بجانب المجمع الرئيسي لبلدية أديس أبابا.

ورغم الحشد الأمني تمكنت حشود شعبية من الوصول لميدان منليك والتجمهر حوله وعلى أسوار كنيسة غورغيس التي بناها الإمبراطور منليك الثاني تخليدا لذكرى انتصارات عدوا .

وبعد مغادرة الرئيسة سهل وورق، اطلقت المحتشدون هتفات ضد الحكومة ودخل بعض الأفراد في احتكاكات مع الشرطة التي اطلقت الغازات المسيلة للدموع لتفريق الحشود، وقامت بمطاردة مجموعات شبايبة داخل أزقة بياسا ( الحي الإيطالي القديم) المجاورة لميدان منليك.

وفي جانب آخر، تم تنظيم احتفال رسمي كبير تضمن عروضا فروسية وعسكرية في وسط العاصمة بميدان الاستاد الرياضي ( ميدان الصليب كنسيا ، وميدان الثورة سياسيا). ودعت سهل ورق في كلمتها إلى الاحتفال بمعركة عدوى كرمزية وطنية وافريقية دون تحويلها إلى “رمزية جدلية”

ويمثل الإمبراطور منليك الثاني ( ١٨٨٩-١٩١٣) رمز الصراع حول الهوية الوطنية في إثيوبيا، حيث يعتقد فيه التيار الوحدوي اليميني، بقواعده الشعبيىة في إقليم أمهر، بطلا قوميا، ورمزا وطنيا لاثيوبيا الحديثة، وامبراطورا تتصل شرعيته بـ “سلالة سليمان” الأسطورية التي حكمت الحبشة التاريخية، والت تنحدر من نسل “منليك الأول ” الإبن الأسطوري لنبي الله سليمان، حسب.

وعلى النقيض من ذلك تماما، تعتبرشعوب الجنوب والشرق الإثيوبي، وفي مقدمتهم الأورومووالسيداما والصومال والعفر، منليك الثاتي رمزا لوحشية الدولة الحديثة، واستبدادها، حيث قام بتكوين إثيوبيا الحديثة بحدودها الحالية بعد سحق تلك الشعوب ورموزها الوطنية والقضاء بأسلحة المستعمر الغربي.

معركة عدوا… وتعدد الرواية التاريخية

وتتعدى رمزية انتصار اثيوبيا في معركة عدوا المستوى الوطني إلى عموم افريقيا، حيث تعتبرانتصارات عدوا، ملهما لانطلاق حركات التحرر الوطني في عموم افريقيا .

ورغم تلك الرمزية الوطنية والقارية لاتوجد رواية تاريخية موحدة لدى الإثيوبيين، بل تعددت الروايات التاريخية حول المعركة وتفاصيلها كتعدد شعوب وقوميات وأديان هذا البلد.

فالأورومو الدين ظلوا مهمشين سياسيا واقتصادية خلال العقود الماضية، رغم كثرتهم العددية، لديهم روايات موثقة، على أنهم كانوا رأس الحربة في مواجهات الطليان، ويتهمون الدولة الاثيوبية الحديثة، بإرثها الأمهري والإمبراطوري، بهضم تاريخهم كما هضموا حقوقهم السياسية والاقتصادية.

وكذالك يرى مسلموإثيوبيا، أنهم كانوا جزءا أساسيًا من المجهود الحربي الذي شاركت فيه كل شعوب إثيوبيا، ولكنهم أيضا يتهمون إثيوبيا الحديثة بإرثها الكنسي بهضم حقوقهم الدينبة ودورهم الوطني.

العهد الجديد… بين سندان الارث التاريخي وكماشة الواقع

وبين هذا وذاك، وفي ظل انتقال سياسي يشهد تجاذبات كبيرة على خلفية صراعات متجذرة حول السردية التاريخية والرؤية المستقبلية لهوية الدولة ومستقبلها، تسعى القيادة الجديدة، ذات البعد التعددي، إلى تحييد الصراع حول التاريخ ورموزه، ، والمضي قدما نحو المستقبل.

وفيما يعزز هذا التوجه، تعمل بلدية أديس أبابا على إنشاء متحف “عدوا” الضخم كإحدى مكونات مجمع بلدية العاصمة، ليكون مأوى لآثار وتماثيل ميادين أديس أبابا، لتحويل تلك التماثيل والآثار إلى مادة للمتاحف الوطنية، تجذب السياح والباحثين.

فهل يتمكن الإثيوبيون النظر إلى ماضيهم فقط بقدرما يدفعهم إلى المستقبل، أم أنهم سيبقون حبيسي التاريخ، لتتجدد الصراعات حول التماثيل والرموز التاريخية كل ما دار عليها الحول.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق
ملاحظة: تم تفعيل مشاركة الارباح لهذا الاعلان
يجب عليك تعيين "Adsense: data-ad-client" و "Adsense: data-ad-slot" من لوحة تحكم القالب