إثيوبيا: تحديات اليوم التالي لتدشين “عهد جديد”

لم يكن الرابع من أكتوبر 2021 يوما عاديا في إثيوبيا. فقد تم تشكيل حكومة جديدة، هي الأولى بعد فترة انتقالية سياسية استمرت ٣ سنوات منذ استلام آبي أحمد السلطة في مايو 2018، على وقع احتجاجات شعبية منذ 2015.
جاءت الحكومة بعد انتخابات عامة جرت في مايو الماضي، وفاز فيها حزب الازدهار بأغلبية مطلقة.

وهي انتخابات كان من المفترض إجراؤها في أغسطس 2020 ، لكن تم تأجيلها والتمديد للحكومة عبر تفسيرات دستورية.

ورغم ما تلى تأجيل الانتخابات من أزمة سياسة، واندلاع الحرب بين الحكومة وجبهة تحرير شعب تيغراي، و مقاطقة العديد من الأحزاب والقيادات السياسية لها، يعتبر حزب الازدهار انتخابات مايو ونتائجها “أيقونة التحول الديمقراطي” في إثيوبيا.

سياسيا، تعتبر الحكومة الجديدة بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد، ورئيس حزب الازدهار انطلاقا لعهد جديد ورث السلطة من تحالف الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا( إيهاديغ ) بقيادة جبهة تحرير شعب تيغرا، والذي ظل في الحكم ٢٧ عاما، تمكن خلالها من إعادة تشكيل الدولة في جوانب كثرة.

احتفالات غير مسبوقة لتدشين عهد جديد

نظمت الحكومة حفلا لتنصيب رئيس الوزراء آبي أحمد، بحضور عدد من زعماء إفريقيا يتقدمهم الرئيس النيجيري محمد بخاري والسنغالي ماكي سال، والجيبوتي إسماعيل عمر غيلة، و اليوغندي يوري موسفيني. وعلى المستوى العربي حضر وزير الخارجية الجزائر رمطان لعمامرة.

الحضور الغربي لم يكن ملحوظا، فقد دخلت العلاقات الإثيوبية مع الغرب عموما والولايات المتحدة على وجه الخصوص مرحلة العناية المركزة، على ضوء الخلاف حول معالجة أزمة تيغراي، والتعاطي مع القضايا الإقليمية والدولية على خلفية المواجهىة المتصاعدة بين الولايات المتحدة الصين.

كان الحفل هو الأول من نوعه لتنصيب رئيس وزراء في إثيوبيا. وعٌقِد في ميدان مسكل، أكبر ميادين العاصمة أديس أبابا ، والذي تم إعادة بنائه و تصميمه خلال ثلاثة سنوات الماضية، استعدادا لهذا اليوم، على ما يبدو.

كما تم تزيين وتجميل شوارع العاصمة بتشكيلة متنوعة من أعمال التزيين المطبوعة والمرسومة، تتقدمها زهرة ” آدي أبابا” التي تأتي بعد موسم أمطار طويل.

وتخلل الحفل عروض عسكرية وفلكلورية وأغاني وطنية وشعار المرحلة “عهد جديد”

وحسب مراقبين يهدف تنظيم حفل بهذا الحجم والتنظيم الغير مسبوقين والتكلفة العالية، رغم ما تعيشه البلاد من تحديات، إلى رفع الروح المعنوية للشعب، واستنهاض الهمم والدعم الشعبي لمواجهة تحديات كبرى تواجهها البلاد على جميع الأصعدة، في ظل النزعات، وحرب تيغراي، وتدهور اقتصادي ومواجهات إقليمية على خلفية سد النهضة وعلاقات متأزمة مع الغرب، الحليف التقليدي لإثيوبيا.

اشراك المعارضة اللطيفة

تضمنت الحكومة ثلاثة وزراء من المعارضة التي وافقت على المسار الانتخابي، يتقدمهم د. بيرهانو نغا رئيس حزب إيزيما، وكجيلا مرديسا نائب رئيس جبهة تحرير الأورومو ، و بيلاطا مول القيادي في حركة أمهرا القومية. كما تم تعيين قيادات أخرى في حكومات الولايات، ويتوقع تعيين آخرين نواب وزراء وفي أجهزة تنفيذية .

ويأتي إشراك المعارضة بدعوة من الحكومة، وليس على أساس تحالف مبني على برنامج سياسي مشترك بين حزب الإزدهار والمجموعات التي وافقت على المشاركة في السلطة، كما أكدت تصريحات الأحزاب أن المشاركة جاءت بصفة شخصية وليس بصفة حزبية.
ويهدف رئيس الوزاراء إلى تكوين تحالف عريض لقيادة دفة البلاد خلال المرحلة القادمة وحل التحديات التي تواجهها، بالاعتماد على شرعية انتخابية وتشاركية في السلطة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن القاسم المشترك بين المعارضات التي تم إشراكها في الحكومة هو العودوة من المنفي، والموافقة على المسار الانتخابي، وعدم التمكن من إحراز نجاح يذكر في الانتخابات.

المعارضات المخضرمة التي لها ثقل سياسي وفاعلية تنظيمة تتمثل في الأحزاب التي رفضت المشاركة في الانتخابات، وفي مقدمتها حزب المؤتمر الأورومي الذي ينتمي إليه جوهر محمد، أو تلك التي اختارت المواجهة المسلحة وفي مقدمتها جبهة تحرير شعب تيغرار المصنفة منظمة إرهابية.

وتواجه القيادات التي وافقت المشاركة في حكومة الإزدهار دون التفاوض على أي برنامج سياسي، أسئلة صعبة من القواعد السياسية حول هدف تلك القيادات التي وافقت على الاشتراك دون برنامج سياسي، مما يحولها إلى مجرد أدوات لتنفيذ برنامج الحزب الحاكم.

تحديات اقتصادية وضغوط دولية

وحسب آخر الاحصاء ات وصلت نسبة تضخم أسعار السلع والمواد الأساسية في سبتمبر المنصرم 35 ٪؜ ، وهي الاعلى منذ فبراير 2012. كما أن هناك شحا كبيرا في المواد المستوردة نظرا لتدهور احتياطي النقد الأجنبي.

ومع تردد ⁧‫صندوق النقدالدولي‬⁩ منح قروض جديدة، وتباطؤ الدائنين في إعادة جدولة ديون ⁧‬⁩، خفضت وكالة ستاندر آند بورز (S&P) درجة التصنيف الائتماني للديون السيادية، من بي (-B) لمستوى متدني (+CCC)، ما يعني وجود احتمال كبير عدم القدرة على السداد، حسب ما يعنيه التصنيف.

واصدر الرئيس الأمريكي الشهر الماضي أمرا تنفيذيا يتيح لكل من وزارة الخارجية والخزانة والامن الداخلي فرض عقوبات على الأفراد والمؤسسات التي تعيق تحقيق السلام وإنهاء حرب تيغراي.
كما قام مجلس الأمن خلال أكتوبر الجاري بعقد جلستين لمناقشة الأزمة الإنسانية في تيغراي وتداعيات طرد إثيوبيا سبعة من كبار موظفي الأمم المتخدة.

وبلغت الضغوط الغربية على إثيوبيا ذروتها بتبني البرلمان الأوربي قرار من 29 فقرة في 7 أكتوبر الجاري ، أي بعد تكوين الحكومة الجديدة، يدعو فيه الدول الأعضاء لفرض عقوبات عسكرية على أديس أبابا، ويدين طرد موظفي الأمم المتحدة، ويطالب أطراف الصراع بوقف حرب تيغراي، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين. كما يدعو إثيوبيا التوقيع على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

آمال عريضة وخيارات محدودة

خطاب التنصيب الذي ألقاء رئيس الوزرءا آبي أحمد اعتبر الفساد تهديدا وجوديا للدولة والشعب، ووعد بالضرب على المفسدين بيد من حديد.

كما تضمن البرنامح الحكومي الذي تلته رئيسة الدولة سهل وورق زودي في البرلمان الكثير من الوعود بانحازات تنموية.

ومع كل التحديات التي تُحِد من خيارات آبي أحمد، يعقد الشعب الإثيوبي، على شخصه وعلى حكومة العهد الجديد، آمالا عريضة، لتحقق ما عجزت عنه الحكومات السابقة، ويفي بوعوده الانتخابية والاحتفالية في جلب الأمن والاستقرار والرفاهية.

شعوب إثيوبيا متفائلة بطبعها، ويكفيها القليل من الإنجازات لنيل رضاها، وتتمنى من العهد الجديد أن يكون فاتحة خير نحو السلام والازدهار، وأن لا تتبدد آمالها مع انتهاء موسم زهرة “آدي أبابا “، شعار العهد الجديد.